عبدالله الجنيد

عرب المقاهي والتخنين

الاثنين - 05 سبتمبر 2016

Mon - 05 Sep 2016

يمكن اختزال الشخصية العربية في أمرين، هما: «التخنين* والتخوين»، فالجدلية العربية ليست استقصائية، بل إقصائية. وما زالت جلسات القهوة (المقهى الشعبي) الصاخبة تحضرني عندما كنا نمر بها صغارا، حيث كانت وجوه الرجال تحتقن بالدم وهم يناقشون قضايا السياسة اليومية. وبصراحة كنت حينها أخشى على الوالد ـ رحمة الله عليه ـ وهو أحد الجمهور الناصري من أحد جمهور الفريق البعثي، لأنه كان يزعق بالصوت في كل أمر.



بالطبع كان هناك فريق ثالث هم الملكيون ممن ينظر لجمهوريات «الثورات» العربية على أنها «كلام فاضي ولعب عيال»، وأن بكرة الإنجليز سيعيدون تربيتهم ويعلمونهم السنع «السلوك الواجب من الدول».



بالطبع كان هناك فريق رابع هم الإخوان المسلمون، بالإضافة لفرق أخرى في طور النمو. هذا التنوع الفكري كانت له محفزاته التاريخية والعرقية والاقتصادية، فقد كانت البحرين حينها حاضرة مدنية ذات حيوية مؤثرة في محيطها العربي خليجيا.



نكسة 1967 مثلت صدمة من حيث وقعها النفسي والعاطفي، في حين كانت يوم عيد لفرق أخرى.



فكان الإخوان يولمون سرا في مجالسهم الخاصة بعد صلاة العشاء احتفالا بالانتقام الإلهي من عبدالناصر على ما ارتكبت يداه في حق سيد قطب. ومن مفارقات الزمان كذلك اختلاف الجميع على مصادر أخبارهم. فكان البعثيون والملكيون يستقون أخبارهم من البي بي سي العربية، في حين كان الناصريون يستقون أخبارهم من صوت العرب من القاهرة، وأحمد سعيد تحديدا. فعندما أعلن هو أننا على أبواب تل أبيب وطائرات إسرائيل تتساقط كالذباب وزعت «الشربات» في الأحياء وخرجنا في مظاهرات في الشوارع.



بالنسبة لنا كان الشيء الأهم أننا «خلصنا» من يوم دراسي. بصراحة، بعد ذلك بسنوات طويلة كلما تذكرت تجمعنا حوال المذياع لسماع الأخبار أتذكر كم الحسرة والخيبة في أعين الناس المحبة لما مثلته مصر ناصر حينها، لكن ما زلت في حيرة من الإصرار المصري على إرث ذلك الإعلام السياسي الموجه.



هذه الأيام أجدني في بعض المجالس كحال ذلك الجيل المفعم بالحيوية والمنقسم بين تيارات العربان والعجم وشعاراتهم. ففي بعض الأحيان ما إن تتناول مصر مثلا إلا نعت بالإردوغاني، وأنت طائفي إن انتقدت إيران.



وعبثا تجتهد في إيضاح وجهة نظرك، فبالنسبة لهم مصر هي السيسي، وأي ملاحظة على أداء مصر السياسي أو الاقتصادي تضعك في خانة الإخوان من قبل السيساوية (مقاربة للناصرية).



أما إيران فأنت تمشي على حبل عال دون مظلة أو طوق سلامة، وجل عاشقيها سياسيا لهم منطلقات يصعب التعاطي معها أغلب الأحيان. وفي نظرهم أنت طائفي، وقضي الأمر.



أحد أكبر الأمور المستغربة بين عرب «التخنين والتخوين» أنهم حاسمون في قراراتهم، فما إن تخنن في معسكر مخالف لهم حتى تستهدف في أي حوار وإن كان الأمر مجرد عطسة أو نوبة كحة. ومع أن هؤلاء يمارسون النقد الموضوعي والبناء في كل الأمور المتعلقة بوطننا الصغير، إلا أن الحالة عندهم قد بلغت حد التعديل الجيني الذي سيورثونه أولادهم.



ربما يجب التعريج على شخصية ظريفة من ذلك الزمن، وقد كانت لمخبر أمني من منطقتنا، وما زلت أتذكر الصمت المفاجئ في الباص عندما يركب في تلك الرحلة الممتدة من الحد (مدينة في شمال شرق البحرين) إلى المحرق، وكان يلبس نظارات سوداء كبيرة كانت تذكرني بالراحل الكبير توفيق الدقن. لربما كانت النظارة السوداء حينها وسيلة التعارف المعتمدة بين أهل تلك الحرفة.



*التخنين: أي الوضع في خانة



[email protected]