مفلح زابن القحطاني

الأعمال الإبداعية.. إذاعيا

الاحد - 28 أغسطس 2016

Sun - 28 Aug 2016

كثيرا ما نسمع من النقاد أن القصة والرواية وما دار في فلكهما نصوص كتابية قرائية لا أكثر، ولا يمكن تلقي هذه الأعمال مسموعة كما يتلقى الشعر، وهو كلام لا يمكن تأكيده وتعميمه، فبعض النصوص القصصية والروائية تصر على أن تصل إلى المتلقي بقوة مهما كانت الطريقة، بل لربما وجدنا أثرها في المتلقي مسموعة أبلغ وأقوى من قراءتها.



ومما يؤكد هذه الحقيقة رواية «سوق الحميدية»، وهي كما يعرف الجميع من الروايات التي عرفها المشهد السعودي عام 2008، وقد كتبها الدكتور سلطان بن سعد القحطاني، مستوحيا فكرتها من البيئة التي ولد وعاش بها (الأحساء)، وجسدت هذه الرواية الحياة الاجتماعية في الأحساء، وبخاصة في سوق الحميدية، وما شهدته المنطقة والسوق من تحولات اجتماعية.



أذكر أنني قرأتها بعد صدورها بعام أو عامين، وأذكر أنها مرت في حينها كأي رواية، بالنظر إلى أن القارئ يتعاطى مع مثل هذه الأعمال الإبداعية دون توقف يذكر، ودون أن تلفت النظر بشكل واضح، إلا ما كان مثيرا جدا من الروايات، وهي الإثارة التي قد تنبع من مظاهر وزوايا لا تعد مؤشر قوة في العمل الإبداعي، وإنما مصادر وأسباب لإثارة الرأي الذي ما يلبث أن يؤمن في النهاية بحقيقة الأمر.



إذاعة الرياض مشكورة عملت على نقل رواية «سوق الحميدية» وإنتاجها إذاعيا، عبر سلسلة حلقات روائية توالت، وقد أضفى هذا النقل الإذاعي على العمل جوا فنيا وإبداعيا يغري بتناول المزيد من الأعمال الإبداعية في مشهدنا الثقافي على هذا النحو، وكانت رواية «سوق الحميدية» بهذا أول رواية عربية تسجل وتنتج من خلال الإذاعة.



وقد أعطاها صوت الأستاذ عبدالله بن خميس بن سنكر الذي يرويها ويقدمها بعدا جميلا، حيث توحي تلك النغمة التي يمتلكها ابن سنكر بالسرد والقص، وتصنع جو رواية حقيقيا، وتتحقق المتعة الفنية عند المستمع، فتجعل الوقت يمضي سريعا، كما أعطت لمسات المخرج فهد الهاجري العمل تميزا واضحا، وذلك من خلال لمساته الفنية، ومن خلال أدوار الدراما التي قدمها عدد من الممثلين السعوديين البارزين، فضلا عن بعض المؤثرات الصوتية التي تتماهى مع أحداث الرواية وتحولاتها، ومشاركة بعض الأصوات العربية والآسيوية في العمل الروائي الإذاعي، كممثلين لدور العمالة في هذا السوق وتعاملاتهم مع أبناء المنطقة.



«سوق الحميدية» التي أنتجت ورويت إذاعيا تطل من جديد وتعاد على مسامع عشاق الإذاعة هذه الأيام، لتجسد أن الأعمال الجادة تبقى مهما طال الزمن، ولتؤكد أن هذا التوثيق الصوتي الإبداعي يمكن أن يكون نافذة مهمة ووسيلة فاعلة من وسائل حفظ وتوثيق وتقديم الأعمال الإبداعية في الشعر والقصة والرواية وغيرها، وتصديرها إلى الآخر، كما أن ذلك يعزز قوة العمل الإبداعي ببعض المقومات والعناصر الأخرى التي تسهم في قبوله عند الناس، كالمقاطع التمثيلية والمؤثرات وغيرها، كما أن العمل الإبداعي بهذه الصورة يصبح متاحا للجميع على اختلاف اهتماماتهم ومستوى تعليمهم.

[email protected]