محمد أحمد بابا

الانفصال الروحي في مقاهي التواصل!

الاحد - 28 أغسطس 2016

Sun - 28 Aug 2016

في ظلام المشكلات بارقة أمل حين يعرض عليك صاحب سيارة أن يذهب بك حيث تريد دون مقابل سوى أن يراك تبتسم راحة من طول الانتظار.



ولعل مواقع التواصل الاجتماعي تمثل نقاط وقوف للحافلات أو القطارات ومحطات الانتظار لمن يلمح في صفحات المشتركين قواسم مشتركة معه.



سبع سنوات هي عمري في العالم الافتراضي المسمى (فيس بوك) وتتبعه بقية مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إنني جعلت من ملكيتي لصفحة فيه رئاسة مستحقة لجمهورية نفسي دون انتخاب.



وجدت من تجارب هناك ما يجعلني اليوم أقول: إن حاجتنا لمقهى حقيقي الوجود والتعاطي والمنادمة تفوق حاجة كثير منا لوفاء وزارة الإسكان بوعدها أن نملك شقة في عمارة.



على مقهى التواصل الاجتماعي ربما تمد لك يد في ذلك الصمت الظلامي تكون أحن من ورد الشتاء في ربى الطائف عليك، وتكون أنت بها مجيدا للحمد والشكر أن فكرة الخلاص من مأزق معين جاءتك على طبق من (فيس بوك).



علمت من تواضع تجربتي أن رفع مهارة التعامل مع حسابي في مواقع التواصل، وزيادة الذكاء في المشاركة، والاهتمام القوي بمن يصادقني أو يتابعني أو يعطيني (وجها) يجعل من ذلك المجال شقيق النفس.



في فضاءات التقنية التواصلية وجدت انطلاقا نحو مرونة انخراط في ميادين شتى، ما لم أجده في سفر للخارج ولا سياحة في الداخل ولا في سنوات تعليم وتعلم أو استجلاب معرفة.



عرفت في مقاهي المواقع الاجتماعية أرواحا من حروف كتبتها، وأحسنت لي حسابات من خلال مواد طرحتها، وفتحت لي صفحات أبواب صداقة حقيقية من خلال نقاشات ابتدرتها.



حتى إنني اليوم أزعم أن الانفصال عن الواقع الحقيقي بالعالم الافتراضي أضحى ضرورة ثقافات ولزوم نفسيات، فبذلك الانفصال تجد النفوس قدرا كبيرا من (طاقة) نحو التفريق والتمييز والاعتراف والموضوعية.



والتقطت من زمن قضيته - وما زلت أقضيه - مع مواقع التواصل أن العناية بحسابك في (فيس بوك) - مثلا - رعاية وانتقاء وتواصلا واهتماما بالأصدقاء والانتقاء والفرز والأدب مع الإحساس يجعل (صفحتك) مثل كرسيك الذي اعتدت أن تجلس عليه في مقهى تحبه في مدينتك.



من يفهم مصطلح (التواصل) له يقين بأن مساعدة الآخرين تواصل، ومناقشة المخالفين تواصل، والعلم بالنشاطات تواصل، وإلقاء التحية والتعزية والفرح والنكتة والغريب والسؤال، كل ذلك تواصل، وما من تواصل إلا وبعده - على امتداد المعرفة والعمليات والخلطة - فوائد تطور، وسلالم نهضة نحو الحياة.



الراسخون في (فيس بوك) والماهرون في (تويتر) والفطناء في (انستقرام) والمبادرون في (سناب شات) وغيرهم أثروا عالمنا الافتراضي بحقائق لو مكثنا في العالم الواقعي قرونا ما وصلنا لعشرها باعتراف الأغلب.



كنت وما زلت أقول في مناسبات موجبة شتى إن (مواقع التواصل الاجتماعي) فتح عظيم من رب العالمين، أخذت بيد الغرقى، وملأت قلوب اليائسين فرحا، وشحذت أذهان الغافلين حكمة، وبنت جسور محبة بين قلوب نبضاتها حروف تكتب ونقرات تنبه.



يا ليتنا في حقيقة واقعنا لدينا عشرات آلاف المقاهي في كل حي وشارع، أختار من بينها واحدا أرتاده وأفكاري ومشاعري ومزاجي، وأطلب (قهوة تركي وسط) وأتكلم مع النادل الآسيوي عن هموم قريته في وطنه.

[email protected]