عبدالرزاق سعيد حسنين

المطوف والحاج.. ود متبادل

مكيون
مكيون

السبت - 27 أغسطس 2016

Sat - 27 Aug 2016

ما أجمل الذكريات حين تعود بنا لأكثر من أربعة عقود، لعلاقات وطيدة بين المطوف والحاج، يوم كانت الزيارات متبادلة على مدار العام، تتخللها رسائل بريدية وبطاقات معايدة، إنها علاقة ود حقيقي متوارث من الآباء عن الأجداد، ازدان بعضها بأواصر رحم وتبادل استثمارات تجارية.



ومن جميل الذكريات لتلك الحقبة من الزمن، حرص الحجاج في الدول الشقيقة على ربط مواعيد مناسبات أفراحهم العائلية من (زواج وختان) بموعد قدوم المطوف وعائلته، ليشاركوهم فرحتهم، تفاؤلا بالضيف القادم من بلاد الحرمين المباركة، ولا أبالغ في القول إن لبعض شيوخ الطائفة مكانة في تلك الدول، نلمسها في الاحتفالات الرسمية والمواكب المعدة لاستقبالهم من المطارات عبر الضواحي والقرى.



وبمرافقتي لوالدي، غفر الله له وللمسلمين، في تلك الرحلات القديمة لي العديد من الذكريات الجميلة، يحتاج سردها إلى صفحات، نعم إنها علاقة ود وتبادل لكرم الضيافة الذي تشتهر به تلك الدول الشقيقة، يقابلها كرم الضيافة السعودية في رحلة الحج والعمرة، إذ يستبشر أهالي مكة المكرمة باستقبال وفود الحجيج بتزيين شوارع الحواري بالبرزات التي يحرص على إنشائها المطوفون، تقدم خلالها الأهازيج الحجازية غير الطربية وماء زمزم والشاي والمشروبات المكية المعروفة.



نعم.. هي الذكريات ننسجها بخيال وآهات، نستذكر خلالها الماضي الجميل لذلك المطوف الذي خصه الله سبحانه وأكرمه بالتشرف بخدمة ضيوف الرحمن، وكم للحج عندي وعند الكثيرين من حلو الذكريات، إذ كانت الفرحة تعم الدار كلها، بل حتى أمهاتنا رحمة الله عليهن كن يستبشرن بقدوم الحجاج، بالمشاركة في استقبال النساء منهم، ولا غرابة في الأمر، فذلك ضيف الله قادم، إذ كنا نستعد له بوجبات شعبية ومساكن منظفة، وبدوارق زمزم مبخرة، يوزعها الإخوة الزمازمة الكرام بكمية تتناسب وعدد حجاج المنزل، نستقبلهم في برزة مجملة بالإنارة والمشروبات الحلوة والشاي بأطيب النكهات.



وبعد أن يستقر ذلك الضيف الكريم ويرتاح من عناء السفر، يصطحبه المطوف أو ابن المطوف إلى المسجد الحرام للطواف والسعي، وقد كنا نحفه بمشاعر الفرح وبتهليلات وترحاب و(أهلا وسهلا ويا هلا ومرحبا)، لنزف بهم البشرى لأهل الحي، وبكل زقاق يمرون به، في طريقنا إلى المسجد الحرام، وبعد سكون الحجاج في دارهم بمكة المكرمة لأيام معدودات، نجهز لهم الحافلات التي كانت بدائية وبلا تكييف ومنها المعروفة بمسميات محلية (الزيتوني والمنقاوي وأبوعيون جريئة)، لتقلهم إلى المشاعر المقدسة بدءا بالتروية بمشعر منى، ولنا ذكريات في تلك الخيام البدائية، والتي يتم تشييدها وفرشها بالحنابل وحافظات الثلج وأتاريك القاز (أبو طربوش)، ويحرص المطوف والحجاج على أداء دعاء يوم عرفات بصوت جهور، تتبعه النفرة إلى مزدلفة والمبيت في منى، لأداء نسكهم، يعودون بعدها بأيام إلى بلادهم محملين بفضل الله بأجمل الذكريات عن البلد المضياف وأهله.



ولقد كانت وسائل النقل والطرقات بسيطة، تستغرق فيها رحلة الحاج الساعات الطوال، إذا قورنت بأيامنا المعاصرة، وبعد أن تغيرت الأحوال وأصبحت بفضل الله ثم حرص حكومتنا السعودية حفظها الله على راحة ضيوف الرحمن، صارت رحلتهم إلى المشاعر المقدسة من أسهل الأسفار على طرقات متعددة مدعومة بالحافلات الحديثة والمكيفة وقطار المشاعر، الذي يعد قفزة حضارية معاصرة.



وخلاصة القول: كان للمطوف الدور الرئيس في خدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين، في إسكانه بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، تتوجها علاقات الود وتبادل الزيارات على مدار العام، ولا يفوتني القول بأنه كان يشاركنا في جميع دورة الحج وأعماله أبناء الوطن من القرى والمدن المجاورة، للمساهمة في الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، إذ في الحج منافع للحجاج والقائمين على خدماتهم، أتمنى أن يحافظ عليها شبابنا من الجيل الصاعد، لتبقى (خدمة الحاج شرف ومسؤولية وأمانة)، وختاما.. أسأل الله القدير أن يجعله موسم خير وبركة علينا وعلى الأمة الإسلامية جمعاء.