أحمد الهلالي

الوطنية سراب في أممية الصحوة!

الجمعة - 26 أغسطس 2016

Fri - 26 Aug 2016

كل مرحلة تمر لا يجب أن نمجدها أو نذمها، بقدر الوقوف أمام نتائجها في واقعنا، فإن كانت نتائج إيجابية بنينا عليها، وإن كانت سلبية ناقشناها وصححنا مسارها، أو بنينا استراتيجيات إيجابية تقضي عليها نهائيا، وهذا ليس بالجديد عليكم أعزائي القراء، فهو دليل حياة الأمة، فلا أمة على وجه الأرض تستطيع الاستمرار عقودا على استراتيجية واحدة إلا الأمم الميتة.



هذه الأيام تكثر الوقفات أمام حقبة (الصحوة)، فليست كلها شرا محضا، ولا خيرا خالصا، بل نتائجها اليوم في واقعنا تخبرنا بالكثير والكثير عنها دون حِجاج أو تجن أو عواطف، ولعل هذه المقالة تتسع لمناقشة ضعف الانتماء الوطني عند البعض، ما حدا بوزير التربية والتعليم الدكتور محمد الرشيد ـ يرحمه الله ـ إلى ابتداع منهج خاص (للتربية الوطنية)، فلامه عليه الكثيرون، لكن حصافة الوزير استشعرت ضعف (الوازع الوطني) في أرواح الأبناء.



ربما يتساءل بعضكم: وما علاقة الصحوة بالقضية؟ وأقول: لا يخفى على أولي الألباب معارضة معظم الصحويين للنشيد الوطني، وللاحتفال باليوم الوطني، وغيرهما من المظاهر الوطنية، وبالعودة لأدبيات الصحوة وخطبها ومواعظها لا تتبدى فكرة (الوطنية) متوهجة توهج فكرة (الأممية) التي ملأت الدنيا وأرواح الشباب إلى درجة نسيان الوطن، فخرج الكثيرون إلى (أفغانستان/ والباكستان/ والصومال/ والشيشان/ والبوسنة/ وغيرها من بلاد المسلمين)، فكان البث الأممي يملأ أرواحهم قبل الخروج، ثم عادوا بأفكار تعادي الوطن، ورأينا أفعالهم، وسمعنا ونسمع تصريحاتهم ضد الوطن وحكومته وأهله، فكانت أحداث الوطن آخر ما يحرك عواطفهم؛ لأن أعناقهم مشرئبة إلى الخارج باستمرار.



أشرب الخطاب (الصحوي) قلوب الشباب توقا إلى (الأمة الواحدة) التي تذوب فيها كل الأوطان، وتلغى فيها الحدود، دون اعتراف بالتقسيمات والدول الحديثة، واعتبارها مؤامرة كبرى على الأمة، وراجت العنتريات واتهام حكام (الدول العربية) بالولاء لأعداء الأمة، واعتبروا دفاعهم عن كياناتهم السياسية ومعاقبة الإسلاميين الخطرين على الأمن جزءا من المؤامرة، فكبر حلم الدولة الإسلامية الواحدة، وخرج علينا ما يسمى (الأدب الإسلامي) الذي يغذي فكرة الأممية، ويعزز الخطاب الصحوي المتأصل في النفوس.



تتكشف لنا اليوم خيوط القضية، فلو تأملنا ردة الفعل في مجتمعنا إبان تولي (محمد مرسي) زمام قيادة مصر، وحركة (الوعاظ) غدوا ورواحا على (أم الدنيا)، ونبرة الخطاب الطامح إلى الأممية، والأيمان المغلظة التي ترى (الخلافة) قاب قوسين أو أدنى، ثم تأملنا خروج بعض أبناء الوطن وموالاتهم لداعش وأخواتها المجرمة ضد وطنهم، ثم تأملنا أخيرا انتفاضة الولاء لإردوغان بعد الانقلاب التركي الفاشل، والتنفس المتفجر من صدور الكثيرين، حتى نصبوا الصراط وسط القضية التركية، فمؤيد الانقلاب في نار سخطهم ومؤيد إردوغان في جنة الرضا، ولو تأملنا تفاعل أقطاب الصحوة وتلاميذهم لأدركنا حجم الفكرة (الأممية) في ذواتهم، جاهلين ما فعله الترك بأمتنا حين عاشت الجوع وظلمات الجهل ثم تنازلوا عنها للمستعمرين واكتفوا ببلادهم التي صارت مزارا للوعاظ والحالمين بالأممية.



أمام هذا المفهوم المتكشف باستمرار، تجدر الوقفة الجادة، خاصة في مؤسساتنا التعليمية والأكاديمية بشتى أنواعها، وتعزيز فكرة الانتماء الوطني، واستغلال تنامي الفكرة (الوطنية) وتعزيز هذا التنامي، بأدبيات شتى، وعدم الاقتصار على العاطفة الدينية أو الأمنية أو الاقتصادية، بل تجاوزها إلى العوامل الثقافية والتاريخية والجغرافية المعززة للاعتزاز بالوطن، وتفسير فكرة الوطن بطرق مبسطة للأجيال، وعدم ربط الاعتزاز الوطني بما يقدمه الوطن لأبنائه من مزايا لمواطنيه، ولنا في تجربة مصر الشقيقة خير مثال، فمهما عانى المصري فقرا وغربة وتعبا في حياته فإن جلال (مصر) في نفسه أعلى من كل جلال.