مرزوق تنباك

كيف يكون التجديد؟

الثلاثاء - 23 أغسطس 2016

Tue - 23 Aug 2016

في التراث الديني والتاريخي العميق آثار كثيرة تتحدث عن ضرورة التجديد في المعاملات وفي الدلالات والمفاهيم العامة والخاصة ومتطلبات الزمن وما يحمله من متغيرات يواجهها الحاضر فلا يستطيع النهوض بها كما هو، وإنما يحتاج تحولا كبيرا تفرضه الظروف المعاصرة وأسئلة الحياة الطارئة فتصبح حاجة التجديد ضرورة لا بد منها لتلبية التطور الطبيعي الذي ليس معروفا أو معهودا من قبل.



هنا يأتي مطلب التجديد حين تدعو له الضرورة وتحتاجه لعصرنة الحاضر وتحديث المتعارف عليه من عادات الماضي، ذلك أن أوعية الماضي غير قادرة على استيعاب ما يحدث ويستجد وما يطلبه الناس في حاضرهم ويتمنونه في مستقبلهم، كان لا بد أن يوجد في المجتمع شخص أو أشخاص يقودون مرحلة التجديد ويضطلعون بها ويكسرون حاجز الجمود والرتابة المتوارثة والبحث عما يستجيب لمتطلبات الناس من شؤونهم العامة والخاصة.



المجددون:

ولهذا السبب حفل التاريخ الإسلامي بأعداد كثيرة ممن يسمون في تاريخه المجددين وتتابعت طبقاتهم وأزمانهم وأتباعهم والمنافحون عن مناهجهم وآرائهم وجاءت الآثار بتزكيتهم والحاجة إلى وجودهم، ومنها الأثر المشهور الذي يتردد كثيرا (يبعث الله على رأس كل قرن أو في كل مئة عام من يجدد في الدين).



وهذا المعنى حتى وإن لم يكن أثرا فهو مطلب لطبيعة التطور والتغيير الذي لا يفارق الحياة، ويعضد هذا الأثر ويقويه سيل من أقوال العلماء والخلفاء وأهل التجربة كلهم يقررون حقيقة واحدة هي أن التغيير هو ناموس الكون الذي لا يستقيم أمر فيه بدون التغيير والتطوير والتحول، ومسيرة الإنسان تحتاج ضرورة إلى الجديد والحادث المختلف، وما يكون صالحا في فترة زمنية من شروط الحياة لا يكون صالحا في حقبة أخرى، ولهذا أدرك المصلحون منذ القديم جيدا المعنى الكامن وراء الرغبة في أن يحدث شيء غير ما هو معهود في كل حقبة من الزمن.





هنا يأتي المعنى الواسع لمفهوم التجديد أو بمعنى أصح ما هو التجديد في حد ذاته وما هو الجديد ؟.



المحافظون والتقليديون يفهمون التجديد أنه إعادة الماضي وتنظيفه مما علق به من آثار الوقت الذي قضاه والبقاء في دائرة الماضي وعدم الخروج منه وينصب جهد من يدعو إلى هذه الدعوة ومن يفهم التجديد على أنه إعادة الماضي بثوب جديد على الشكليات والتلميع والتكلف، وقلما يخرجون عن ذلك أو يغوصون في مشكلة الحاضر، وقد حفل التاريخ الإسلامي بعدد كبير ممن يسمون أنفسهم مجددين وعملهم في الواقع ليس تجديدا ولكنه إعادة وتكرار ورجوع إلى الخلف وهو ما يناقض المعنى المقصود من التطور بل هو في حقيقته انتكاس وتجميد وعودة إلى الماضي نفسه والتعلق به والرضاء عنه، وليس ذلك من التجديد الذي ينطبق عليه المراد والغاية التي يريدها الحاضر.





التجديد يعني إضافة مهمة يحتاجها المجتمع لتوافق الحاضر وتستجيب لمتطلبات الإنسان المعاصرة، وحقيقة التجديد ليس العودة إلى الماضي، لأن الماضي تاريخ انقضى العمل به وعرفت حسناته إن كان ثمة حسنات وعرفت سيئاته أيضا، والعودة إليه لا تفيد شيئا ينفع الناس، إذن من العبث العودة التي يطالب بها بعض من يزعمون التجديد.





التجديد الحقيقي هو استشراف المستقبل والتخطيط له وحساب المتغيرات والتجاوب مع متطلبات الحاضر والمستقبل بروح تمثل العصر والمستجدات التي لا يخلو منها زمان ولا مكان. أما من يريدون العودة إلى الماضي والاتكاء عليه فهم يخلون بشروط التجديد ومتطلبات المستقبل ويعيقون سير الحياة الذي يسير ولا ينتظر أحدا.

[email protected]