شاهر النهاري

يوسف زيدان ومثقفو شبه الجزيرة

الثلاثاء - 23 أغسطس 2016

Tue - 23 Aug 2016

كم هو مستفز في كلامه سواء تكلم يوسف زيدان عن علوم التاريخ، أو الديانات، وذلك لتوخيه نرجسية شخصية وفرعونية مريضة، وأنا لا أوافق بعض ادعاءاته غير المنطقية وغير العلمية، والتي يطلقها وكأنها حقائق لا تقبل الجدل، ويتعالى حتى على من يتساءل من مستمعيه!.



وفي نفس الوقت فمثقفو شبه الجزيرة العربية مُستفَزون، ويسهل على أي شخص أن يؤذيهم، فيتفجرون بالردود العصبية والمقالات غير العلمية، بغرض نثر التراب، ورد الكيد، وكان على رأسهم للأسف كبيرنا الغذامي.



ما قاله يوسف زيدان عن حضارة عرب الجزيرة، حقيقة جزئية واضحة يؤمن بها معظم المثقفين والباحثين، وإن لم تكن أصواتهم واضحة في ذلك، فالعراقي، والشامي، والمصري، والمغربي والفارسي القديم يشعرون بأنهم هم من صنعوا الحضارة العربية بعد تلقيهم ألفاظ القرآن القادم من الجزيرة، والواقع يقول إن عرب الجزيرة الأوائل أهل لسان وبداوة وفتوحات وحكم نشروا معها الدعوة لكل الأصقاع، ولم تكن في مفاهيمهم ولا أولوياتهم إنشاء حضارة بالمعنى المدني، الذي يقول به زيدان، وقليل هم صانعو الحضارة من أهل مكة والمدينة؛ فلم تكن الصناعات، والحرف، والفنون، والثقافة والخط العربي، والزخرفة الإسلامية، وعلوم الطب والفلك والحساب والجبر والغناء والعزف من اهتمامات أهل مكة والمدينة، حيث ظلت تلكما المنطقتان بلا أي شواهد حضارية (وقد أنكر الإسلام أي حضارات جاهلية سبقت في الجزيرة، مثل مدائن صالح، والتي لم تكن عربية المنشأ، حيث بناها النبطيون)، بينما كانت الحواضر المشار إليها في العالم الإسلامي مناطق حضارات دنيوية قديمة واستمرت بالإسلام، مما سهل على أهلها تطويع حضاراتهم القديمة والارتقاء بها إلى نقاط تلاق، فكان معظم العلماء والحرفيين والفنيين مسلمين من أصول غير عربية، في أغلب المجالات، التي كونت معطيات الحضارة الإسلامية.



الأمر لا يدعو للانزعاج، فالإسلام جمع كل تلك الشعوب لتتكامل بمفاهيمها القديمة والحديثة وتصنع حضارة إسلامية، أشعت بشخوصهم وحواضرهم، وجامعاتهم، وفنونهم، وظلت الجزيرة عاجزة عن صنع تلك الحضارة محليا إلا بما ندر من الأحداث والرموز.



حتى اللغة العربية، كتابة، وتنقيطا وتشكيلا، وتقسيما، وتأسيسا للقواعد، لم تبدأ إلا في العراق، ولو أن أحد أهم علمائها كان أبوالأسود الدؤلي، وهو من أهل الجزيرة، إلا أنه لم يتمكن من تطوير أدواته، وانتهاج العلم إلا بوجوده بين أهل حضارة أبجديات الرافدين في حينها، ممن آزروه بالقاعدة الثقافية العريضة، التي ساعدته، وميزت معه الخط والقواعد العربية لتصبح حضارة دنيوية، بعد أن خرجت من المدينة كحضارة ربانية.



شعور زيدان الفرعوني، هو نفسه الشعور الأمازيغي، والأشوري، والفارسي، والشامي الحالي، والذي يشعر بأن حضارته قد سرقت منه عنوة، وأنها قد انطوت تحت مسمى الحضارة الإسلامية، والتي بدون علماء حضارته القديمة لم تكن لتكتمل بهذا الشكل المتناغم، لتبلغ أطراف الأرض في حينها.



كل عنصر حضارة قديمة يشعر بالنقص وهضم الحق، وكل يطالب بإعطائه حق ما أضافه لهذه الحضارة؛ وهذا نتيجة للضياع والشتات الفكري الحالي؛ والعقل يقول إن الحضارات العظمى تبنى بالتمازج، وتجميع الاختلافات لصنع حضارة موحدة، وما حضارة أمريكا الحالية، إلا مثال واضح على عظمة الكل بتميز وتكامل الأجزاء.



يوسف زيدان يجب أن يستحي مما قاله، ومثقفونا المنافحون عن حضارتنا يجب أن يستحوا مما هاجوا به في مقالاتهم من انتقاص وهجاء، ومن غث القول، ومما لا يمكن أن يصنع حضارة.

[email protected]