عبدالعزيز الخضر

مع جمهور صدام الأخير

السبت - 06 أغسطس 2016

Sat - 06 Aug 2016

خلال الأيام الماضية مع بداية شهر أغسطس عادت لمواقع التواصل والانترنت مشاهد من ذكرى أليمة لغزو صدام للكويت في بداية التسعينات، وهي واقعيا لم تكن غزوا للكويت فقط، وإنما تدميرا للمشهد العربي كله، ويعتبر هذا الحدث أكبر انتكاسة صنعها حزب البعث للقومية العربية وشعاراتها، وحتى الآن لا زال العراق والمنطقة يعيشان على آثار هذه الكارثة وتوابعها المستمرة.



ومن حسابات واقعية فإن صدام حسين هو أسوأ الزعامات العربية التي ساهمت في تدمير بلدها من أجل بقائه في السلطة وينافسه اليوم بشار الأسد. ومع ذلك كل هذا التاريخ كيف وجد لهذه الشخصية شيء من الشعبية المتأخرة في الانترنت.. منذ الحكم بإعدامه قبل أكثر من عشر سنوات!



ونظرا لبشاعة تاريخ ما فعله في العراق.. فإن كثيرا من المعجبين في الثمانينات تركوا مديحه مباشرة ويخجلون من إظهار الإعجاب مع بقاء من يمدحه بطرق ملتوية في الإعلام والصحافة العربية، من خلال عبارات: وضع العراق أيام صدام أفضل من اليوم، وكأن صدام وحزبه أبرياء من قبح الواقع اليوم وليسوا أحد أكبر أسباب هذا الدمار.



المقارنة المنطقية يجب أن تبدأ من: كيف استلم صدام العراق وكيف انتهى معه بعد ربع قرن!؟ وهو الشيء نفسه عند حزب العبث السوري كيف وصلت الحالة السورية معه.



صدام حسين أو القذافي ليسا من الشخصيات السياسية الجدلية بحيث يمكن الاختلاف على دورهما في بلادهما لوجود نجاحات وإخفاقات مقارنة مثلا بجمال عبدالناصر وغيره، ومع ذلك يلجأ البعض إلى أسلوب تلميع لهذه الشخصية بحيل عديدة عبر حكاية إيران ثم أمريكا. تحميل الأعداء المسؤولية لتبرئة ممارسات الحكم العراقي نفسه في مواجهة الواقع هو أحد أساليب الهروب من المسؤولية، بحيث يصبح الغرب والاستعمار هما السبب الوحيد، وكأنه لا يوجد غباء وتهور سياسي ساعدهما على ذلك. دور أي نظام وحاكم هو أن يحمي بلده من هذا التآمر الغربي بالحكمة السياسية، وليس بالعنتريات الكلامية التي وصلنا لها، ويتداول اليوم بعض مقاطعها من عنترياته لتسويق أسوأ زعيم سياسي عربي.



التاريخ القديم والحديث مليء بالديكتاتوريين والطغاة لكنهم فرضوا نوعا من الاحترام التاريخي لهم، لوجود جوانب سياسية نجحوا فيها، وأسست مجتمعات وأقامت حضارة ونهضة وواجهت الأعداء بكفاءة. في حالة صدام حسين وأمثاله في عالمنا العربي نحن لسنا أمام شخصية طاغية فقط، وإنما جمع معها الأنانية والحماقة السياسية، فقد كانت كل المحطات التي مر بها فاشلة وانتهت إلى فشل، وحتى النجاح الذي أكسبه شعبية عربية في الثمانينات، قضى عليه بأكبر عملية غبية بغزو الكويت لسبب تافه مقارنة برد الفعل. ومع ذلك حاول البعض اللف والدوران حينها لتبرير هذه الكارثة.. التي افتتحت كل الكوارث العربية فيما بعد وانشغل العرب فيها عن العدو الصهيوني. ربما يتوهم البعض اليوم بأن الجيش العراقي دمر فورا حينها ولم يعط الفرصة تلو الأخرى للانسحاب دون حرب.



وعندما حررت الكويت، لم تنته حماقة هذا النظام ليعترف بالأمر الواقع، وإنما تسبب في حصار طويل لأطفال العراق وشعبه لأجل عيون الزعيم وحزبه الذين بعضهم دواعش اليوم! وحتى عندما جاءت مرحلة الغزو الأمريكي الغاشم للعراق بكل تحولاته، لم يشعر النظام بحجم المسؤولية، وعندما تعود لقراءة كثير من المذكرات الشخصية للسياسيين الذين تعاملوا مع هذه العقلية فإنك لا تجد أي ملمح من الذكاء والعبقرية القيادية، وإنما أوهام زعيم لم يعرف حجمه الحقيقي.



تطور الإعجاب المتأخر لجيل صغير مع بقايا مخضرمين يلمعون الماضي من خلال جملة «الله يرحم صدام» بمقاطع لثوان قصيرة وكأنها قادرة على مسح ثلث قرن من الفساد والطغيان والفشل. برز هذا الانبهار المتأخر بسبب تضخم موضوع الطائفية، وحكاية مواجهة إيران، وكأن صدام واجه إيران بمفرده وليس بدعم مالي ضخم من دول الخليج، خاصة السعودية والكويت. وقد تسبب هذا النظام بتعطيل التنمية لعقدين في مجتمعنا. تراكم الإعجاب العلني أو الخفي في اليوتيوب ولاحقا في مواقع التواصل، بحيث تختزل هذه الشخصية بذهنية الأجيال الجديدة بمقاطع معينة، يظهر فيها حديث القائد العظيم.



ومن خلال الملاحظة الشخصية خلال العقد الماضي ومناقشة الصغار يبدو أن لمشهد الإعدام المصور، وتداوله الواسع دورا في صناعة شعبية ساذجة، خاصة أنه عرض بطريقة انتقام سياسي طائفي شديد الغباء، وأحد أسباب تدهور العراق المستمر بقيادات طائفية متخلفة اليوم. كان واضحا إعجاب هذا الجمهور وخاصة المراهقين بالمقطع وكأنه مشهد من فيلم سينمائي ينهي حياة زعيم مناضل، وكيف أنه لم يخف ولم يهتز أثناء لحظة الإعدام. لا يوجد خلاف على وجود هذه السمة الشخصية في صدام .. وأنك أمام شخص «قلبه ميت» كما تعبر العامة، لكن هذا الموت القلبي وعدم الإحساس كانا سببا في سياسته الحمقاء وتهوره المستمر. ودائما تبدو لحظات النهاية والموت مربكة للمشاهد وتستحضر فيها مشاعر متضاربة بين التعاطف والجزاء. وهناك مشكلة أخرى وهي نقص الخبرة في المشهد، فالمشاهد العادي لم يسبق له مشاهدة مئات من الذين يتم إعدامهم في العالم ليطلع على مشاعرهم قبل الرحيل، وكيف يواجهون اللحظات الأخيرة من الحياة، لتكون مقارنته سليمة.. ومعرفة مدى الشجاعة والفارق بين شخصية وأخرى.



[email protected]