منى عبدالفتاح

الاتجار بالبشر.. نشاط رغم المكافحة

الأربعاء - 03 أغسطس 2016

Wed - 03 Aug 2016

تتعرض الإنسانية كل يوم إلى ما يحط من كرامتها، بالتمادي في ظاهرة الاتجار بالبشر وتقوم الأمم المتحدة بتجديد ذكرى المكافحة سنويا. وهذه الخطوة في تكرارها

لا تعدو أن تكون أداء للواجب الأممي الذي لم يتعد مرحلة القلق بعد. وبإقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار يوم 30 يوليو اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، لم يزد العالم إلا عبودية.



بعد مرور أكثر من قرنين على مقولة المفكر والسياسي والمؤرخ الفرنسي ألكسيس دي توكفيل «إن إلغاء تجارة الرقيق هو قرار لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم، لن تجد في تاريخ البشرية أعظم من هذا الإنجاز»، في عام 1801. وبعد مرور أكثر من أربعة عقود على استقلال الدول الأفريقية عن الاستعمار الأوروبي، وبعد أن صار الرق تاريخا يروى في أفريقيا عند محطته التاريخية متحف دار العبيد في جزيرة غوري السنغالية والتي كان يتم منها ترحيل العبيد إلى الأمريكتين، ها هي تجارة الرقيق تعود مرة أخرى بأعنف مما كانت عليه في قرون البشاعة البشرية.



بحسب المنظمة الدولية لمناهضة العبودية، فإن الاتجار بالبشر أو كما تسميه أدبيات السياسة بالعبودية المعاصرة أو رق القرن الحادي والعشرين، يتضمن نقل الأشخاص بواسطة العنف أو الخداع أو الإكراه بغرض العمل القسري أو العبودية أو الممارسات التي تشبه العبودية.



وقد لا يحتاج الاتجار في الأطفال إلى توفر هذه الظروف، فإن مجرد استغلالهم لأداء عمل ما يعد نوعا من الاتجار حتى ولو لم يتم ممارسة أي عنف أو خداع أو إكراه معهم، لأن استغلالهم في حد ذاته يعد أحد أشكال الخداع. وفي نهاية الأمر فإن التجار يستخدمون العنف والتهديد وأشكال الإكراه الأخرى لإجبار ضحاياهم على العمل ضد إرادتهم، وتقييد حريتهم في الحركة والعمل بدون أجر أو أجر زهيد.



أطلقت اليونسكو مشروع «طريق العبيد» 1994، لتحقيق أهداف أوردتها المنظمة العالمية وهي لكسر حلقة الصمت حول تجارة الرقيق والعبودية بالإسهام في حسن فهم أسبابها العميقة ومخاطرها وأساليب عملهما من خلال دراسات علمية متعددة التخصصات، وكذلك لتسليط الضوء على آثارها على المجتمعات الحديثة، ثم للإسهام في ثقافة السلام والتعايش السلمي بين الشعوب بتشجيع الإمعان في الحوار بين الثقافات.



إن قضية الاتجار بالبشر هي قضية اجتماعية، اقتصادية ولكنها أخذت بعدا سياسيا صارخا في الدول الأكثر نشاطا في هذه التجارة. وبالرغم من قدم نشاط الاتجار بالبشر، إلا أنه أخذ في التزايد في العصر الحالي بشكل مريع وذلك نسبة للعائد المادي السريع الذي قامت الأمم المتحدة بتقديره بأنه يحتل المركز الثالث من مصادر دخل الجريمة المنظمة بعد الاتجار بالمخدرات والأسلحة. وتغذي الاتجار بالبشر عدة عوامل متشابكة مثل الفقر والحرمان وتدهور الحالة الاقتصادية والعطالة، التهميش والتمييز ضد النساء، عدم الاستقرار السياسي، وضعف القوانين التي تضع عقوبات غير رادعة على ممارسي التجارة مما يخلق مناخا لممارسة الجريمة المنظمة، وعدم توفر معلومات وإحصاءات دقيقة عن حجم المشكلة وضحاياها والشبكات التي تديرها نسبة لمناخ السرية الذي تتم فيه التجارة.



لا زالت تجارة الرقيق التي تم تحريمها دوليا منذ عام 1792 تتجدد بأشكال عديدة، ولسخرية الأقدار فهي تعود في أفريقيا التي تحتفظ بذكرى «بوابة اللاعودة» في جزيرة غوري كإرث تاريخي مرير.



أما الاتجار بالبشر كظاهرة كونية فتنشطها عوامل أخرى غير عامل اللون والإثنية، فقد تعرض معظم الدول الأوروبية لهذه الظاهرة. وبعد أن كانت إرثا تسلطيا تمارسه على بقية الشعوب الفقيرة خاصة أفريقيا في عهود الاستعمار، نراه الآن رقا حديثا يتمثل في صنوف شتى من أنواع الاتجار بالبشر.



[email protected]