أحمد الهلالي

متعة الأمير في خطاب الوزير والمدير!!

الجمعة - 29 يوليو 2016

Fri - 29 Jul 2016

يقول ليجان السكمري: حين خرجنا من مجلس أبي الليث الوالي في قرطبة، جذبني أبي جذبة الضاري، فاستوقفني جوار الاصطبل، ثم حدق في عينيّ تحديقة صقرية ومضى، ركبت جوادي وحولي ثلة من العاملين يثنون، فقد كان خطابي أمام الوالي نادرة، لم يسبق أن ألقاه مسؤول كما ألقيته، ناصعا شفافا، أعطيت فيه كل ذي حق حقه، وفي خضم الإطراء نسيت نظرة أبي الصقرية!!



في المساء أرسل أبي في طلبي، فجلست إلى يمينه، نظراته تثقب حدسي، وتستنطق يومي وفلول أمسي، فقررت الحفاظ على رباطة جأشي بالصمت، وبعد شرب الزنجبيل بالعسل، التفت إليّ وقال: يابن غائبة الأسماء، متى تتعلم خطاب الأمراء ومقامات الكبراء، أتحشو مقالك بالنكرات والنوكى وتتعامى عن سادتك الذين رفعوك، ولولا مكانتي لوضعوك؟! أي مسؤول أنت لا يفرّق بين الرحيق والحريق؟!.



طأطأت رأسي علّ رياح غضبته تذوي، فيسكت عنه الغضب، فأُدخل علينا القاسم بن يحيى، فقام إليه وأجلسه مكاني، ثم أمرني بالجلوس على الأرض مقابلا لهما، وقال له: يا أبا سلمى، لا تغرك هيأته ولا شواربه ولحيته، فقد أتى منكر الأقوال كما سمعت في مجلس الوالي، وإني أعهد به إليك لتحسن تأديبه وتعيد ترتيبه وتهذيبه، فيتعلم منطق العقول، ونباهة المسؤول، فخذه إلى منزلك أسبوعا، وأعده كاملا مرفوعا، ولك جزالة العطاء، واسمح لي الآن بالخروج إلى مجلس الحكماء، سأحاول الاعتذار من نفوس الكبار، لأغسل العار، من حديث غر غوى.



في دار أبي سلمى عدتُ تلميذا صغيرا، يقرعني بالعصا كلما أجبت بما لا يرضى، ثم في اليوم التالي أخرج مخطوطا ضخما عنوانه (متعة الأمير في خطاب الوزير والمدير)، عكفت على قراءته خمسة أيام حسوما، فتح عينيّ على لغة لا أعرفها، لكنه هداني إلى سبب غضبة أبي، فقد استشاط غضبا حين عزوت فضل أعمال إدارتي إلى العاملين، وذكرتُ أسماء المبدعين، وحسب الكتاب فقد تجاوزت في حق رؤسائي، فهم أصحاب الفضل والإنجاز، والمن والامتياز، وكل من دونهم أدوات، تقديم أفضالها ترميز وإلغاز.



عدت بعد أسبوع إلى أبي، فاستقبلني بوجه عابس، وترحاب دامس، يقول متهكما «جاء الأجاج، واختل المزاج» فتبسمت وسلمت عليه، وتأسفت بقبلة بين عينيه، ووعدته أن أراعي المقامات العليا، وأغض نظري عن الأسفلين، فهو أدعى للهيبة والمكانة والتمكين، وأجزأ في حق من جعل المقاليد في عنقي الأمين، فهشّ أبي ولان، وتبسم قائلا: آلآن؟!



عدتُ إلى إدارتي، فسألني العاملون عمّا غيبني، فقلتُ كنت برفقة الوالي في أعمال المدينة، فرأيت في أعينهم إكبارا لم أره قبل اليوم، فتذكرت بعض فِقر الكتاب، فجعلت أقصيهم عني جميعا، ولا أتحدث إلا مع كبارهم، فمن الخطأ أن يتبسط المسؤول مع مرؤوسيه، فاتخذت حاجبا لمكتبي، ولم أشرح لهم ما حلّ بي، وفي نهاية الشهر وقفت بين يدي الوالي وحيدا دون حاجبي ولا عمالي، فحمدت الله وارتجلت:



مولاي الوالي، كما تعلمون أيدكم الله وأدام عزكم، فقد نلنا بتوجيهاتكم مراتب السمو، وبتوجيهات معالي الوزير شابور، ومتابعة من الرئيس العام رهوان ومشاركة حثيثة من المدير العام أبي سادم، استطاعت إدارتنا تحقيق نجاحات في تأمين المياه لأربعة مساجد، وتصفية الرمل القديم من الحصى، وعملنا جاهدين بتوجيهات مقام نائب الرئيس العام (مائز) على تنظيف بركتين من الطحالب، وبتوجيهات نائب المدير العام قازان ركبنا مشكاة لمسجد السوق، وبتوجيهات وكيل الوزارة سمحان وفرنا أباريق الوضوء، وبمتابعة مدير مكتب معالي الوزير ابن سريع رمّمنا أربع مكانس للمساجد الأربعة، ونحن إذ ندين لمعاليكم ولمعالي الوزير والرئيس العام والمدير العام، ووكيل الوزارة ونائب الرئيس العام ونائب المدير العام ومدير مكتب معالي الوزير بالفضل، فإننا بفضلكم بعد الله ماضون في تطوير إدارتنا بما يرضي المسؤولين، ولمقامكم ينحني الفكر، ويسمو بقبولكم الشكر. فأشرق وجه أبي كالبدر، وهو يجول بعينيه عبر ابتسامات المسؤولين المصفقين لابنه بحرارة أذابت شموع الآملين!!