محمد العوفي

قادة المستقبل!

الجمعة - 29 يوليو 2016

Fri - 29 Jul 2016

الاهتمام بالعنصر البشري بوابة العبور نحو المستقبل، لأن العنصر البشري يعتبر المفكر والمنظم والمحرك في أي منظمة صغيرة كانت أو كبيرة، ولا خلاف على دوره في نجاح المنظمات واستمراريتها، لذا اهتمت جميع المنظمات بالعنصر البشري استثمارا وتدريبا وتأهيلا، وأنشئت برامج تدريبية متخصصة لتطوير قدراته بغية المحافظة على ديناميكيتها، وقدرتها على التجديد، وضخ قيادات جديدة ونشطة في شرايينها تمكنه من استعادة حيويتها وطاقتها، وقدرتها على تقديم الخدمات بجودة عالية.

وكان التحدي الأكبر الذي يواجه المنظمات هو خلق جيل ثان من القيادات قادر على قيادتها عند رحيل الجيل الأول، وتكاد أن تكون مشكلة كبرى وظاهرة في الدول الخليجية، ولها أسباب متعددة، منها عيوب هيكلية وتنظيمية كغياب مناصب إدارية يمكنها تهيئة الجيل الثاني من خلالها كمنصب مساعد أو نائب للمدير، وعدم تدوير القيادات، وغياب استراتيجية إعداد وتأهيل القيادات البديلة أو وجود مشكلة لدى بعض المديرين أنفسهم تتمثل في عدم الرغبة في خلق جيل ثان من القيادات، كيلا يتم الاستغناء عنهم، ويتم التمديد أو التعاقد معهم بعد بلوغهم سن التقاعد.

ونتيجة حتمية لما سبق أن تظهر بوادر أزمة عدم وجود جيل ثان وثالث من القيادات في المنظمات الحكومية، والتوقعات تشير إلى أن الأزمة ستظهر بوضوح في غضون تسع سنوات إن لم يتم تداركها، فالدراسة التي نشرتها الخدمة المدنية في مؤتمر القيادات الإدارية الحكومية في المملكة: الواقع والتطلعات، وضعت النقاط فوق الحروف، فهي تشير إلى أن نحو 80% من القياديين للمرتبة من 11 إلى 15 تجاوزت أعمارهم الـ51 عاما، ونسبة 25% منهم مؤهلاتهم دون الجامعية.

هذه الإحصائية لا يمكن تجاوزها بسهولة، فهي تستقري واقع القيادات في المنظمات الحكومية، وتستشرف مستقبلها، كما أنها كشفت خللا كبيرا في التخطيط لمستقبل المنظمات، ويحسب لوزارة الخدمة المدنية نشرها لهذه الدراسة، ويحسب لها أيضا اعترافها بتقصيرها السابق في هذا الجانب، وتبنيها إعداد مشروع يهدف إلى تأهيل قيادات بديلة في حال تخلي القيادات السابقة عن مناصبها الحرجة لأي سبب كان.

المبادرة التي تبنتها الخدمة المدنية تقوم على ست آليات أو محاور تبدأ بحصر الوظائف الحرجة في الجهات الحكومية لمعرفة متطلبات كل وظيفة والصفات التي يجب توافرها في الكوادر التي تستحق أن تشغلها، ومن ثم وضع إطار عمل للجدارة الوظيفية لكل وظيفة قيادية، والحصول على معلومات عن القدرات الحالية للمرشحين المرجحين، وإجراء تقييم موضوعي ونزيه لقدرات ومؤهلات المرشحين، واستخدام المستندات والنماذج الالكترونية لرصد أداء المؤهلين للوظائف، بالإضافة إلى تحديد وتنفيذ إجراءات التطوير الضرورية.

هذه المبادرة رغم جدارتها إلا أنها جزء من كل، لأنها ستركز على الوظائف الحرجة فقط، ولا يعرف ماذا تعني الوزارة بالوظائف الحرجة، وما إذا كانت تشمل كل وضع القيادات العليا أم أنها وظائف محددة، في حين المفترض أن يكون هذا البرنامج جزءا من برنامج تطوير مؤسسي لا يقتصر على الوظائف الحرجة وما في حكمها، إلا إن كانت الوزارة تعني بالوظائف الحرجة الوظائف القيادية بشكل عام، يبدأ في حصر أعداد القيادات وموظفي الإدارة العليا الذين سيتم إحالتهم إلى التقاعد سنويا خلال فترة العشر سنوات القادمة من 2016– 2026، ومن ثم تبدأ في إعداد برامج متخصصة شبيهة ببرامج قادة المستقبل التي تقدمها البنوك المحلية، أو شبيهة ببرامج إعداد القيادات الإدارية في مدرسة كنيدي للإدارة، ومعهد القيادات الفيدرالية، ونموذج جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية، والمدرسة الوطنية للإدارة في فرنسا، والمدرسة الأسترالية للإدارة، يتم إدخال القيادات المرشحة والمحتملة فيه، وعلى مراحل تتضاعف أعدادهم سنويا حتى يمكن خلق جيل ثالث ورابع من القيادات التي يحتاجها الوطن.

[email protected]