محمد أحمد بابا

الشقق البيضاء

الاثنين - 18 يوليو 2016

Mon - 18 Jul 2016

المنازل البيضاء لا تقل أهمية علاج عن الأراضي البيضاء، ليكون بذلك بياض الممتلكات معول هدم للاستثمار، وعامل مرض لحركة الحياة والاحتياجات، في سير حثيث نحو احتكاريات سلع تزيد حنق المجتمعات وتوسع فجوة العيش بين الطبقات.

ما من مدينة ولا قرية في وطننا إلا وبها من المباني والمساكن الجاهزة للاستخدام ما يفيض - ربما - عن حاجة السوق رغم ارتفاع الطلب، إلا أن المسكين والعامي مثلي الباحث عن بضع غرف يستأجرها سيواجه من العمارات المغلقة والبنايات المقفلة ما يتعجب منه كل إنسان.

وعندما فكرت فيما وراء أسباب هذه الفوضى، وفي قراءة سوق الإيجارات العقارية، وقفت على أن عددا غير قليل من المستثمرين والملاك ينامون ملء جفونهم عن شقق مغلقة انتظارا لعرض حكومي أو ضربة استثمارية أو سعر مرتفع دون مبرر ولا مسوغ سوى تحكم في غير حاجة وانفصال عن مجتمع وحاجياته.

وقلت لنفسي بأن طبيعة الإجراءات الحكومية منذ عرف الإنسان نظام الدولة يستوجب محاربة الاحتكار ومكافحة غلاء الأسعار ومراقبة التجار في أملاكهم، وحمل الأثرياء على عدم استخدام الملكية سوط عذاب على ظهور الزبائن والراغبين.

ووجدت في التنظيم الجديد لرسوم الأراضي البيضاء طريقا لملاحقة هذا اللون الأبيض المخيف حتى في احتيال متوقع من مالكي الأراضي بتلوينها وبناء مساكن وعمارات ستظل بيضاء إن لم يعمل فيها سواد قلم المشرعين واصفرار وجه المسؤولين عاجلا.

يشكو الكثير من نار القيمة الإيجارية للعقارات في المدن الرئيسية رغم وفرة الشقق المغلقة وارتفاع عدد طوابق البنايات الشاهقة التي لا يقطنها إلا غبار ترك وشح إنفاق.

وحسب علمي بأن منع الجريان الطبيعي للسلع بأي طريقة يتوارد عليها التجار جريمة إنسانية يمنعها القانون والنظام والشرع، لأن توفير بيئة الكفاية للمواطنين من أولويات الدولة والمنظمين.

لكل ذلك أظن بأن نظام رسوم الأراضي البيضاء في نجاعة عمله ومردوده ربما - إن لم يتنبه المطبقون - ينقل هذا المرض الأبيض للدور والمساكن والشقق والعمارات، فنحتاج حينها لرسوم الشقق البيضاء، ثم تتسلسل الأمور ليعم في الناس نظام رسوم الأشياء البيضاء، فيلفنا السواد في شظف عيش وصعوبة حياة.

ما لنا لا نشهد في مجلس الشورى دراسة ومناقشة كاملة للسكن كحزمة واحدة بألوان الطيف المحتملة، فيخرج لنا بعد ذاك نظاما يراعي المستأجر قبل المؤجر، ويحفظ حق الإنسان قبل حق الملكية، ويخفف من حدة الحرقة الاقتصادية للشباب قبل مراعاة حب القدامى لتوسيع أملاكهم.

في مكة والمدينة آلاف المباني التي يسكنها الهواء عشرة أشهر في السنة قبل حجاج يقطنونها ساعات أو أياما على استحياء، وفي جدة والرياض والدمام مئات المجمعات السكنية مقفولة الأبواب لسنوات في انتظار سعد أو سعيد، وفي الجنوب مواقع كثيرة بها مساكن جهزت ليتم استغلالها أياما في السنة فقط، وفي هذه الأمثلة ما لا يفهم علته ولا يقتنع بإقراره مثلي.

حرية الاستثمار والمال والتجارة لا تعني أبدا الاستبداد بفوضى قيمة يسكن بها الناس، فوجود سعرين متباعدين لذات مواصفات شقتين متماثلتين في شارع واحد وحي واحد يقود بعض المعوزين للجنون.

وقد قلت لمن سألني عن شقتي التي أستأجرها وأدفع القيمة نصفين: بأنه (٣٢) ألف ريال لأربع غرف متوسطة الحجم، فقال لي وهو يسكن مثلها بقيمة تقل كثيرا: بيض الله وجهك!



[email protected]