منى عبدالفتاح

مسارات مكافحة الإرهاب

الثلاثاء - 12 يوليو 2016

Tue - 12 Jul 2016

أصبح التمييز بين أنواع الإرهاب بناء على مصدره، ضرورة ملحة سواء للوقاية منه أو مواجهته والتصدي لشروره المدمرة.

وبالإضافة إلى التحليلات النابعة من النظرة المحلية لأنواع الإرهاب، هناك نظرة عالمية غربية لا تفرق بين نتيجة العمليات الإرهابية إلا بدمارها النوعي، ولكن مؤخرا، فكله عند الغرب إسلام ومسلمون يعتبرهم إرهابيين بوجه أو بآخر.

وأعتقد أننا لم نصل بعد إلى صياغة خطاب إعلامي عالمي، يوضح أن التطرف الديني مصحوبا بحالة التفكير الإجرامي هو المسؤول عن إزهاق الأرواح وتدمير المرافق، وأنه يتم بعمليات مروعة للآمنين بمن فيهم المصلون بشكل موغل في الجبن حد الخزي، ولا علاقة لذلك بالإسلام كدين حنيف.

تكونت هذه الضرورة داخل حدود الشرق الأوسط، نتيجة لطبيعة الإرهاب الطائفية المقيتة التي لا يدرك الغرب أصل اختلافها ويكاد لا يفرق بينها. وبالرغم من وجود جرائم وعمليات قتل وخطف وتفجيرات يقوم بها حزب الله في لبنان، وجيش المهدي في العراق، فلا تصبح الجريمة كاملة الأركان إلا بعد أن تستهدف هذه الميليشيات إسرائيل. فالصدى الغربي الذي وجدته مهاجمة هذه الجماعات للسفارة الإسرائيلية في بوينس إيرس في مارس 1992، ثم استهدافها للتعاونية اليهودية في العاصمة الأرجنتينية أيضا في يوليو 1994، لم تجده مهاجمة وانفجار أبراج الخبر في المملكة العربية السعودية في نفس تسعينات القرن الماضي وبالتحديد في يونيو 1996.

إن ذلك يثبت محاباة من نوع ما للإرهاب الإيراني، وما يؤيد ذلك الاعتقاد السائد والذي يخفي إعجابا مكتوما من الغرب بما تنفذه إيران، هو أن الإرهاب المنسوب إليها يتميز بهجمات منسقة وأهداف جيوسياسية مباشرة مثل إجبار الولايات المتحدة على الخروج من العراق، أو الإسرائيليين على الخروج من لبنان أو المحاولات البائسة لإثبات عدم مقدرة المملكة العربية السعودية من حماية الحرمين الشريفين.

وهذا بالضبط ما تم بمهاجمة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فالغدر هنا بمليون عملية غدر، فإن كانت اليد يد داعش فالفكرة والتنسيق هما من عقل إيران المدبر. وما يدعم هذه الفرضية هو خضوع مثل هذه العمليات لرقابة مباشرة من إيران أو حزب الله، ولا يهم المنفذ بقدر ما تهتم إيران بالنتيجة وآثارها.

من ناحية أخرى فإن مواجهة إرهاب وتطرف داعش تختلف في نهجها عن تلك التي استغرقها الخبراء والمحللون وصناع القرار مع مواجهة تنظيم القاعدة، ليس لأن القاعدة أقل وحشية، ولكن لأن مواجهة القاعدة كانت بما سماه الإعلام الغربي «قطع رأس الأفعى» التي استهدفت قادة التنظيم حتى وصلت إلى زعيمها أسامة بن لادن. وبالرغم من هذه الاستراتيجية إلا أن هناك استراتيجيات أخرى تتعرض إلى كيفية التعامل مع تأثير التنظيم الإرهابي ولماذا يكون بعض الأفراد مهيئين للاستجابة والاستقطاب والتجنيد.

هذا يشير إلى أن المكافحة تتطلب اتخاذ مسارين متوازيين للوصول إلى الهدف. المسار الأول وهو ما أمن عليه كثير من المحللين يتم بمراجعة بعض الأفكار عن الدين والتدين والاعتقاد الراسخ لدى الإرهابيين ومنفذي العمليات من أن هذا الطريق يقودهم إلى الجنة ولا يرون الضلال في الذبح والتقتيل وترويع الآمنين، واستهداف رجال الأمن ممن يحمون المصلين والبلاد، والأماكن المقدسة.

أما المسار الثاني فهو بسلك طريق يوصل إلى قادة التنظيم، لا يهم من ينفذ المهمة، بل الأهم تخليص البشرية من هكذا شر. وأمثلة النهايات من هذه الشاكلة كثيرة، فقد ألقى الجنود الأمريكيون القبض على صدام حسين في 13 ديسمبر 2003، في حفرة صغيرة «حفرة العنكبوت» تحت مزرعة مواطن عراقي. ثم انتهى القذافي في حفرة مشابهة. ولن يكون تجبر هذين الديكتاتورين بأكبر من تجبر الإرهاب على المدينة المنورة التي قال في حق حمايتها رسولنا الكريم «لا يريد أحد أهل المدينة بسوء، إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء».



[email protected]