عبدالعزيز الخضر

جيل القصبي .. أين الفن؟

الاحد - 26 يونيو 2016

Sun - 26 Jun 2016

في لقاء ناصر القصبي مع داود الشريان في برنامجه الرمضاني، توقعت أن يكون في الحوار بعض الأسئلة الفنية الجادة، خاصة أن اللقاء يجمع بين إعلامي مخضرم في صحافتنا منذ السبعينات، وعاصر كل تطورات الفن السعودي، وأجيالا من الممثلين المخضرمين، وفنان يفترض أنه في قمة نجومية خالية في أجواء فنية سعودية، لم تحدث أي اختراق يذكر لمستوى طاش التسعينات والقناة الأولى، واستمرت حالة الدوران حول هذا المستوى العادي.

ومع الانتقال لقناة قوية بحضورها وشعبيتها مثل الإم بي سي، لم يحدث أي تطور ملموس عن تلك المرحلة، وحتى عن جيل بكر الشدي ومحمد العلي وغيرهما، ولولا المشاغبات الشكلية التي تثيرها فئة الاحتساب التسويقية للقناة، حول بعض الحلقات لأصبح مصيرها مثل مصير أعمال كثيرة.

لا شك بنجومية ناصر القصبي وشعبيته في مقدم الممثلين السعوديين، لكن هذه الموهبة ليست كافية لصناعة تغيير مختلف عما قبل ربع قرن. مشكلة ناصر القصبي أنه بدأ يعيش دور النضالية في المجتمع عبر الفن، وهو وهم بدأ يتضخم معه، وأثر على رفع مستوى عمله، فالواقع أن الممثل في مجتمعنا له شعبية كبيرة لا تختلف عن شعبية اللاعب النجم في كرة القدم.

وحتى القضايا التي يتم تناولها هي أصلا وجدت بالصحافة والنت وغرقت بالجدل والصراعات، وطاش ثم سيلفي جاءا متأخرين في تناولهما مقارنة بالصحافة والنت، وكنا نأمل أن يكونا عالجا هذه القضايا بنصوص عظيمة مختلفة عن الصحافة.. كما يوجد في الأعمال الفنية الناجحة عند غيرنا. لقد صنع وجود احتساب الكتروني بوابة إغراء للمجال الفني في تناول بعض القضايا السجالية، كرافعة تسويقية سهلة، حتى وإن كان العرض الدرامي أو الكوميدي متواضعا جدا، فسيوجد من يدافع عن مثل هذه الأعمال وهذا الدفاع يشبه من يسوق لشاعر أو روائي ضعيف بحجة أنه يدافع عن قضايا الأمة، وكأن مجرد الدفاع عن قضايا الأمة يجعله شاعرا عظيما! يبدأ المديح لهذه الأعمال بعد كلمة «بغض النظر» لتهميش الفني لصالح محتوى لا يختلف عن محتوى مقالي وانترنتي تشبع منه المشاهد في إعلام آخر.

والفكرة التسويقية السنوية.. تبدأ بتعبئة كم حلقة بهذه الموضوعات الجدلية في بداية الشهر الرمضاني كبهارات لشحذ همم الهاشتاقات وشوفونا مؤثرين وجمهورنا واسع! معيار الجودة الفنية أصبح أمرا ثانويا. الإثارة في الموضوع يمكن قبولها لو كانت مختلفة ومبتكرة، وإنما هي مستهلكة جدا ومستنسخة من الصحافة والمقالات ومواقع التواصل، فأغلب الأفكار المطروحة هي تجميع، لكل مخلفات العام، من تغريدات وهوشات وأخبار أثارت الرأي العام لفترة، ثم يعاد إنتاجها كرجيع كما هي بدون تغيير.

نقدت الصحافة كثيرا من هذه الأعمال منذ أكثر من عقد، وهناك اتفاق على أن الضعف الأبرز هو في كتابة النصوص والسيناريو كأزمة سعودية، ويبدو أنه لا توجد رغبة في التعامل مع هذا الموضوع بجدية، والتواصل مع من يمكنهم إضافة ما هو أفضل، فالحس الربحي مسيطر، ووفرت الفضائيات السعودية أجواء تشبه بدايات مرحلة ظهور الفيديو الذي أثر على السينما المصرية وظهرت أفلام المقاولات حينها.

حضور البعد التجاري الأقرب للجشع أثر أيضا على أشياء أخرى حساسة كالإخراج، ومحاولة التوفير بالتصوير إلى أقصى حد، باستثناء مشاهد معدودة. ولهذا يكتشف المشاهد العادي أخطاء كثيرة، غير مقبولة وتخل بالتفاعل مع كثير من الحلقات، ولهذا نجد برنامجا يوتيوبيا نقديا متميزا باسم «لقيمات» لعبدالمجيد الكناني لا يستطيع حصر هذه الأخطاء كلها. ولو طور الكناني هذا النقد لصورة أعمق، من مجرد الإضحاك الذي توفره هذه الأخطاء، بالوقوف عندها عبر حوارات مع مختصين بالنقد الفني. ولعل الصفحات الثقافية، والحوارات الفضائية تعيد الاعتبار لنقاشات عميقة حول قضايا مثل «الفن للفن»، واستحضار قيمة الرمزية في الفنون، وأن الإغراق في المعالجة المباشرة للأفكار أفقد المسافة المفترضة بين عمل الصحافة وكتابة الرأي، وعمل الفن والأدب.

ومع كل هذه العيوب الفنية سيضطر كثيرون لمشاهدة الإنتاج الفني السعودي الرمضاني منذ عصر أم حديجان، وقد يسأل البعض لماذا هذه الضرورة؟ لأن كل أفراد المجتمع يتواجدون في وقت ذروة ذهبي واستثنائي، فالمشاهد مضطر للجلوس هذه الساعة الرمضانية المحددة خلال ثلاثين يوما. فيشاهد ما يشاهده الآخرون للتعايش مع تعليقاتهم، وسخريتهم، وطبيعة الرسالة الموجهة إليهم إعلاميا، خاصة أن قناة مثل إم بي سي، تمثل دور القناة الأولى للفرد السعودي في عصر مضى.

[email protected]