فايد العليوي

هؤلاء هم العروبيون الحقيقيون!

الخميس - 09 يونيو 2016

Thu - 09 Jun 2016

لديّ حجة مؤمن بها وغالبا ما أطرحها بين الأصدقاء إذا ما تناولنا شأن الأمة العربية والعروبة ودور الدين في خدمة العروبة ودور العروبة في خدمة الدين. تلك الحجة تتلخص في أن العروبيين الحقيقيين هم الإسلاميون! قد يبدو الأمر طريفا لكن دعونا نتناول الموضوع بهدوء حتى تتضح معالم حجتي. لدى الفقهاء أهم شروط الخلافة هو القرشية وهذا معروف لدى الجميع، ودولة بني أمية كانت عربية خالصة وصلت للحد الشوفيني الذي بلغ لأن يُمنع العجم من الإمامة والولاية والقضاء وتؤخذ عليهم الجزية حتى بعد إسلامهم كما جرى مع أهل خرسان. والجابري أشار إلى أن معظم الموالي اتجهوا للعلم لتجاوز مثل ذلك الغبن الاجتماعي مثل ابن جبير وابن المبارك والحسن البصري. وفي تلك الفترة ظهرت الشعوبية كردة فعل على ممارسات العرب، ولما تمكن الفرس والأتراك من السلطة في فترة ضعف الخلافة العباسية ظهر صوت الفقهاء مجددا لتأكيد الهوية القومية بتفضيل العرب على العجم. فألف ابن قتيبة كتابه «فضل العرب والتنبيه على علومها»، وأكد في الكتاب على أن الدافع من تأليفه هو لمواجهة الشعوبية. والقلقشندي في كتابه «نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب» أكد على أن العرب هم أفضل الشعوب، وسرد فضائلهم وأكد أن الدافع وراء اهتمامه بالنسب هو لارتباطه بشأن ديني مهم وهو أمر الخلافة التي لا ينبغي أن يتولاها إلا قرشي!

ابن تيمية الذي عاش في عصر فتن واضطرابات وتهميش للعرب مع هيمنة المماليك على السلطة وسط تهديدات الصليبيين والتتار قال في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم): «الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم، عبرانيهم وسريانيهم، رومهم وفرسهم وغيرهم». بل تجاوز ابن تيمية حتى ارتقى بالأمر للمستوى العقدي فقال: «بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر أو سبب لكفر لأن منهم رسول الله وعامة أصحابه، ومقتضاه أنهم أفضل من غيرهم وأن محبتهم سبب قوة الإيمان». وقال في أحد كتبه: «وجمهور العلماء على أن جنس العرب خير من غيرهم». ولا تجد كتابا من كتب ابن تيمية إلا ويشير لأفضلية العرب على غيرهم. وكذلك الحال بالنسبة للكرماني تلميذ أحمد الذي عاصر الشعوبية في أوجها حيث قال: «نعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها، ونحبهم لحديث رسول الله: حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق. ولا نقول بقول الشعوبية وأرذال الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضلهم، فإن قولهم بدعة وخلاف. وذهبت فرقة من الناس إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم. وهؤلاء يسمون الشعوبية لانتصارهم للشعوب التي هي مغايرة للقبائل، كما قيل: القبائل للعرب والشعوب للعجم. ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب. والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نفاق إما في الاعتقاد، وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس مع شبهات اقتضت ذلك». هنا كما يرى الجميع دخلت القومية في الدين في ذلك العصر، فأفتى الشافعي بشرط كفاءة النسب بالزواج وقال: القرشية لا يكافئها إلا قرشي. وحرم الفقهاء السبي والرق على العنصر العربي وأطلقوا عنانه على الشعوب الأخرى! والكلام يطول في ذلك وللمؤرخ عبدالعزيز الدوري كتاب صغير بعنوان: «الجذور التاريخية للقومية العربية» يشرح فيه أصول القومية العربية على المستوى السياسي.

بقي أن نقول إن العروبة الكلاسيكية كما رأيناها والتي امتزجت بالدين كانت أشبه ما تكون بالشوفينية، وما زال تأثيرها قائما على الدين وعلى مخيلة الفقهاء وطرحهم السياسي وإن حاولوا أن ينكروا ذلك. بعكس العروبة الجديدة التي برزت بعد سقوط الخلافة العثمانية والتي أخذت طابع القوميات الغربية التي تبنت القومية كخيار براجماتي للتخلص من سلطة البابا وروما.