شاهر النهاري

في وطني فن وتراث مهجور

السبت - 28 مايو 2016

Sat - 28 May 2016

كنت أعبر الصحراء الشمالية الغربية بين سلاسل جبال تقع خارج مدينة تبوك، فأتعجب من أشكالها، التي نحتتها أزاميل الزمن، لتصبح تحفا حجرية يمكن لعين الفن أن تستخرج منها العديد من الصور المعبرة عن قمة جمال الأشكال، وشعرت أني لو كنت أمتلك القدرة على التصوير الإبداعي، لتوقفت بأحضان هذه الجبال، ولدشنت لي معرضا من جمال ناطق بالحسن والمعاني، تحكيه تلك الصخور العجيبة، وما يحيط بها من كثبان رملية، وما ينساب بين فرجاتها من شواطئ، وما يعبر فوقها من غيم وسحاب، يمكن أن يختطف الإعجاب والجوائز من منابر معارض الفن العالمي.

وعجبت فهل العيب في فناني المملكة، أم في الجهات المسؤولة عنهم، أم أن للحكاية أيديولوجيا ظلمة واحتقار وتشدد!

بلادنا الواسعة بها من فرائد عجب طبيعة بكر، مهما حاول استنطاقها مستشرق، أو مستغرب، فالكثير لا يزال مختبئا هناك، والإبداع يحتاج للرحيل إلى مناطق المجهول، واقتناص الفرص لإبراز تراث فن حاك.

كل ربوع بلانا هكذا، فعرج على مدائن صالح وشعيب، وستجد ملايين اللوحات تنتظر من يستنطقها، ومن يبدع في الإخراج، والتعبير.

انسكب بين الكثبان الرملية، وانظر كيف أن ذرات الفنون مدفونة بجوفها، وأن فنانينا ينظرون لها بعين مسطحة مرهقة، تريد أن يأتي الفن إليها دون عناء.

تمرغ بالشطوط الجميلة على امتداد حدود المملكة، وداعب الشواطئ البكر، واعرف كيف أن الفن النفيس في مرجانها ينتظر من يمسح مصباح سحرها، ليستحضر مارد إبداع.

اصعد سلاسل أجا وسلمى والسروات، وعانق الخضار والغيوم، وانظر كيف أن العناق يكتمل بحبيب ثالث، يدرك ويعشق، ويسمو، ولا يبخل على حدقة العين الواعية، التي تحتضن الجمال أينما حل على سفوح الشواهق، أو فوق قممها بين سفر السحاب الراحل للحسن.

انزل للجزر السعودية المنزوية خلف الشطوط، وانظر لما فيها من كنوز، تنتظر قراصنة الفن، لمن يمتلكون خرائطها ومفاتيحها.

ادخل المدن الأثرية، واعتبر، وانظر والطم الجدران، واسألها عمن رحلوا، وحاول أن تتعمق في نظرتك، وتحسن في إبداع تصوير ما تراه.

الفن السعودي قاصر، يختبئ بين الخوف من المغامرة، والبحث عن الجوائز الزائفة المزركشة.

قاصر لم يستطع أن يبرز لنا ولا للعالم ما هو موجود من ثروات تراث وجمال وطبيعة، وحسن المنظر والشعور والملتقى.

قاصر يحتاج لرؤية وتحول عظيم، يبتدئ بنشر المراسم، واللوحات وإحياء الماضي، وتوطين الرؤية الفنية في مناطق التراث والجمال والإبداع، لننعم بجمال أرضنا، وتاريخها، الذي لم يبدأ بنا، قدر ما بدأ بنفش تراث أمم عديدة سبقتنا على عشق أديم هذه الأرض، تاركين خلفهم كنوز جمال ستتركنا إن لم نحتوها بإبداعنا وعشقنا.

كم نحن في حاجة لمدارس ومتاحف فنية وتراثية وتاريخية وجيولوجية وطبيعية في كل الزوايا، لنعلي فيها جمال قديمنا، وجمال حاضرنا، وجمال أرضنا العريقة.

التقصير ليس فقط من جانب المبدعين والفنانين، ولكن التقصير يشهد به التاريخ، على شح وقصر أنفاس مراكز ثقافتنا، وندرة مراكز فنوننا، وتهميش مراكز سياحتنا، وقصور مراكز ترفيهنا، ممن يستحون من زمار الحي، الذي لا يطرب، أو أنهم يخافون من أعين التشدد، حين تقف حارسا وعائقا في طريق الإبداع والفن، والحضارة.