أحمد الهلالي

المخترع السعودي بين التسول والتوسل!

الجمعة - 13 مايو 2016

Fri - 13 May 2016

منحهم الله نور البصيرة، وهداهم إلى إعمال عقولهم فيما نحتاجه في زماننا وتحتاجه البشرية، كرسوا أوقاتهم في النافع المفيد، وقيدوا أهواءهم بعيدا عن صخبنا المائر من حولهم، تقوقعوا في أحشاء غرفهم الخاصة غالبا، ليخرجوا بما يبهرنا لحظة سماعه، ثم يختفون طويلا، إنهم المخترعون السعوديون، الذين أصبح ضجيج شكاواهم وتذمرهم من واقعنا أكثر من أخبار منجزاتهم، تلك المنجزات التي لا يزال أغلبها حبيس الأوراق أو التصاميم، وأعلى ما يجني أصحابها إذا حالفهم الحظ صورة وميدالية عالمية وخبرا في زاوية ضيقة من صحيفة.

هذه العقول هي التي غيرت ملامح عالمنا اليوم، فكل مفاخر الغرب ومن لحق بهم من دول الشرق لا ترجع إلى بيئاتهم ولا إلى ألوانهم ولا إلى أفعال أجدادهم وحروبهم وتنكيلاتهم بأعدائهم وشربهم للدماء، بل ترجع إلى تلك العقول التي عملت جاهدة فأسعدت البشرية، وكانت سعادة أممهم بهم أكبر حين وفروا لهم القوة الاقتصادية والعسكرية والهيمنة الحقيقية، لا هياط شعوب العالم الثالث الذين يحققون وصف (العائل المتكبر) بجدارة على العالمين.

بعد أن شاهدت الفيديو المنسوب إلى المخترع (رستم مدخلي) وشكاواه وغيره من الشباب من قلة ذات اليد لتسويق مخترعاته، بدأت البحث عبر الشبكة عن المخترعين السعوديين، وشاهدت الكثير والكثير، ثم قررت الدخول إلى موقع مكتب براءات الاختراع والآليات التي يعمل بها، فهالتني الرسوم التي تكلف المخترعين مبالغ طائلة تزيد عن 53 ألف ريال سعودي لاستخراج براءة الاختراع، والدفع السنوي عنها لمدة عشرين سنة، مع أن البراءة لا تحمي الاختراع إلا داخل المملكة، أنظمتهم قريبة إلى درجة كبيرة من مكتب براءات الاختراع الأمريكي، لكن شتان ما بيننا وبين أولئك القوم الذين يتنافس رجال الأعمال عندهم في التقاط المخترعات وتصنيعها وتسويقها، في حين يظل مخترعونا يقرعون كل الأبواب ولا يلتفت إليهم أحد.

ثم وجدت حسابين على تويتر لجمعية المخترعين السعوديين التي احتضنتها جامعة الإمام في الرياض، أحدها يتبع له رابط (غير موجود) على الشبكة، وحساب على فيس بوك وكلها لا تغني ولا تسمن، ولا ترشد الشاب المخترع الجديد إلى تفاصيل الأشياء، ولا ترسم له خارطة الطريق الملائمة لسلوكها بعيدا عن المتربصين بمخترعه، ثم (موهبة) التي يتهمها بعض المخترعين بالكشف عن منجزاتهم في المعارض العالمية دون حمايتها، في دول العالم المختلفة، وفي هذا إضرار بهم وتفويت للفرص الحقيقية التي توصلوا إليها على مستوى الوطن والمستوى الشخصي.

حين ننظر إلى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وبرنامج موهبة، ونسمع تصريحات المسؤولين فيهما، ثم نسمع شكاوى المخترعين تصحو العديد من الأسئلة، لعل أهمها السؤال الذي يطرق الرأس بقوة: لماذا تترك هذه العقول تستهلكها هموم التمويل والبراءات وما دونها من مشاكل الحياة ومشاغلها؟ لماذا لا تشكل لهم هيئة عليا تتخصص في حصرهم واستقطابهم وتلبية كل متطلباتهم في مجال الاختراع والبراءات وحماية مخترعاتهم في كل دول العالم الصناعي، وتوفير المراكز البحثية والحواضن والتدريب والتطوير والابتعاث، واستثمار طاقاتهم العقلية وتوجيهها الوجهة المثلى، وتمتد حتى إلى أمورهم المعيشية كالمسكن والمعونات المادية الأسرية وغيرها من الاحتياجات، وتصل إلى تسويق اختراعاتهم محليا وعالميا، وحث رجال الأعمال السعوديين على تبني تلك المخترعات ومشاركة المخترعين وفق ما يخدمهم ويخدم مصالح الوطن العليا.

وعلى ذكر رجال الأعمال؛ فإنهم والمشاهير أصحاب الثروات من فنانين ورياضيين وغيرهم حول العالم يدشن أغلبهم مؤسسات تدعم المشاريع الإنسانية أو البيئية أو التعليمية، وهذا يندر في رجال الأعمال وأصحاب الثروات عندنا، فمعظم توجهاتهم الخيرية لا يرتفع سقف طموحاتها عن حفر بئر أو بناء مسجد، أو تقديم صدقات عينية، وفي هذا خير، لكن هناك من وجوه البر أعلى شأنا للوطن وللإنسانية حين تتيسر على يد المحسن أجهزة أو أدوية أو وسائل تزيد من تذليل الصعاب وصولا إلى الرفاه الإنساني، فيؤدي بذلك مسؤوليته الاجتماعية التي يحقق من خلالها الانتشار وديمومة الخير، والأجر بإذن الله.

أناشد خادم الحرمين الشريفين (أعزه الله ونصره) وحكومته الرشيدة في ظل التحول الوطني بضرورة وأهمية النظر العاجل في هذه الثروة الوطنية العظمى، وإنشاء هيئة للمخترعين السعوديين تختص بكل شؤونهم وتتفانى في تهيئة كل السبل لاحتضانهم ورعايتهم الرعاية الحقيقية، وتمييزهم عن غيرهم، وإغنائهم عن الوظائف العادية بكل أنواعها، فإعمال عقولهم وتوقدها بالأفكار والمخترعات وظيفة سامية يستحقون عليها مداخيل شهرية مجزية، لتظل عقولهم تعطي دون شواغل الأنظمة والمعوقات الإدارية والمالية، وفي ذات الوقت تحفز أقرانهم الآخرين وتهديهم إلى التفكير النافع؛ ليضيء الوطن الإنسانية بعطاءات إنسانه، فالاستثمار في هذه الفئة أعده أهم الاستثمارات الوطنية، وأهم رافد لنهضة الوطن والأمة، والحضور الفاعل على الساحة العالمية.

[email protected]