سليمان الضحيان

الإسلاميون وحزب الله و(غلبة المعنى)

الأربعاء - 23 مارس 2016

Wed - 23 Mar 2016

يحكي الجاحظ أن أحد البخلاء واسمه أبوالهذيل أهدى دجاجة إلى أبي عمران مويس أحد وجهاء البصرة آنذاك، فتحولت تلك الدجاجة إلى حكاية لا يمل أبوالهذيل من تردادها، فبعد أسبوع من إهدائه إياها، قال أبوالهذيل: كيف رأيت يا أبا عمران تلك الدجاجة التي أهديتك إياها؟، فأجابه أبوعمران مجاملا له: كانت عجبا من العجب، فيرد عليه أبوالهذيل: وتدري ما جنسها؟، وتدري ما سنها؟ فإن الدجاجة إنما تطيب بالجنس والسن، وتدري بأي شيء كنا نُسمِّنها؟، واستمر على حكايته عن دجاجته التي أهداها شهورا عديدة، فإذا ذكر الدجاج في مجلس أبي عمران، قال أبوالهذيل: وأين ذلك الدجاج - يا أبا عمران - من تلك الدجاجة؟، وإن ذكر الجلساء في مجلس أبي عمران بطة أو عناقا أو بقرة قال أبوالهذيل: فأين لحمها من لحم تلك الدجاجة التي أهديتها لك يا أبا عمران؟»، وإن استسمن أبوعمران شيئا من الطير، قال له أبوالهذيل: لا والله، ولا تلك الدجاجة التي أهديتها لك يا أبا عمران؟، وإن ذكروا عذوبة الشحم قال: إن عذوبة الشحم في البقر والبط لا يقاس بعذوبة شحم تلك الدجاجة التي أهديتها لك يا أبا عمران، وإن ذكروا ميلاد إنسان، أو قدوم إنسان، أو حدوث أمر، قال: كان ذلك بعد أن أهديتك الدجاجة بسنة، وإذا تحدث عن أمر، قال كان ذلك قبل أن أهديك تلك الدجاجة بأيام، فأصبحت دجاجة أبي الهذيل عنده تاريخا ومثلا.

تذكرت هذه الحكاية حينما استمعت لحديث راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي عن حزب الله ورفضه تصنيف وزراء الداخلية العرب له بالإرهابي بحجة أن الحزب مقاوم لإسرائيل، ورأيه بأن مشاركة الحزب في قتل السوريين، والخراب الهائل الذي أحدثته تلك المشاركة، كل ذلك هو مجرد: «إشكال وخطأ»، وإنما تذكرت حكاية دجاجة أبي الهذيل؛ لأن مقاومة الحزب لإسرائيل أصبحت الشجرة التي تحجب غابة إجرامه ضد الشعب السوري، فهي تكرر في كل مناسبة يجري الحديث فيها عن حزب الله، وكأن مقاومته لإسرائيل أعطته شيكا مفتوحا؛ ليعمل بموجبه ما يشاء من قتل وإرهاب.

وموقف راشد الغنوشي الملتبس من الحزب هو أنموذج لما أسميه بـ(غلبة المعنى على الواقعية) في تناول قضايا الواقع السياسي لدى الإسلاميين الحركيين، فمعاني الصمود والمقاومة والتضحية والابتلاء والعزة تحتل مساحة كبيرة في القاموس الحركي، ولو لم ينتج عنها فعل حقيقي؛ لأنها تربط وعي الفرد المنتمي لتلك الحركات بالمجد التاريخي للأمة الذي تطرح أدبيات تلك الحركات شعار إعادته، فتفجيرات 11سبتمبر في المخيال الحركي الجهادي تحقق التحدي والصمود والتضحية وإثبات الندية للعالم الغربي، ولا يهم بعد ذلك أن تنتج عنها مصائب للمسلمين، وتُحتل دولتان (أفغانستان والعراق)، هذا لا يهم – في المخيال الحركي – فالجهاد والمقاومة ستحرر هاتين الدولتين، ولا يهم بعد ذلك فناء الآلاف، وتشريد الألوف، وخراب البلدين، فالمهم بقاء (المعنى)، ومقاومة حزب الله للكيان الإسرائيلي حققت (المعنى) وهو تحدي إسرائيل وإثبات وجود مقاومة، ولا يهم حجم تلك المقاومة وأثرها، فليُقتل ألف أو ألفان أو عشرة في مقابل قتل عشرة إسرائيليين أو عشرين؛ إذ يكفي أنها تحقق (المعنى) في المخيال الحركي، وتحقق فكرة الصمود، ولا يهم - أيضا -بعد ذلك أن تمارس تلك المقاومة نفسها الإرهاب في البلدان العربية؛ بل إن بعض الإسلاميين الحركيين يلتمس لها العذر في اجتياحها بيروت عام 2007؛ لأنها تريد القضاء على مؤامرة ضد المقاومة التي تحقق (المعنى).

وإذا كانت حكاية تحقق المعنى ذات جاذبية لدى الأجيال السابقة فإن جيل اليوم يتسم بواقعية جديدة في تعامله مع أحداث السياسة، وهذا ما يفسر غياب المظاهرات المنددة بقصف قوات حلف الأطلسي (الأجنبي) لقوات القذافي العربية، وما لم يفطن الإسلاميون الحركيون لهذا فمصيرهم انفضاض الجماهير عنهم، فجمهور اليوم معني بمصلحته المتصلة بسبل عيشه وأمنه وتربية أطفاله وحسن تعليمهم، ولا تعنيه كثيرًا حكايات (المعنى).

[email protected]