ضيوف الرحمن ليسوا قوم يأجوج ومأجوج
الخميس - 03 مارس 2016
Thu - 03 Mar 2016
الأسبوع الماضي سافرت إلى دبي لحضور مؤتمر إعلامي، وأنا في مطار جدة استعدادا للمغادرة، رأيت مجموعة من المعتمرين الآسيويين وجوههم مشرقة ومبتسمة بعد أن حقق الله سبحانه وتعالى حلمهم بأداء العمرة، وزيارة المدينة المنورة للسلام على رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم، والصلاة في مسجده.
كان المعتمرون من إحدى دول جنوب شرق آسيا فرحين ومسرورين وتفاعلت معهم وشاركتهم فرحتهم وشعرت بأنهم ضيوف أعزاء على بلدي المضياف وعليّ شخصيا، وأنني قريب منهم فكلنا ضيوف للرحمن في أي زمان ومكان، وسألتهم مبتسما عن كيف كانت إقامتهم في المملكة فقالوا إن أيامهم كانت طيبة وإن الله قد حقق حلم حياتهم بزيارة البلد الطاهر وأداء العمرة وزيارة المدينة المنورة.
وبينما نحن نتحدث ونبتسم ونتشارك الفرح، مر بجانبنا اثنان من موظفي الخطوط فغمزهم واحد منهما بالكلام قائلا لصاحبه انظر إلى «قوم يأجوج ومأجوج»!!
لم أتمالك نفسي من الغضب وشعرت بأن كلمة هذا الموظف بعيدة عن اللياقة إن لم تكن مشينة في حق هؤلاء الناس البسطاء وهم في مطارنا يستعدون إلى المغادرة لبلادهم وهم سعداء بأداء العمرة وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم.
التفت إليه وخاطبته بحدة وغضب ما هذا الهراء الذي تقول؟ هؤلاء ليسوا قوم يأجوج ومأجوج لكنهم ضيوف الرحمن وأيضا ضيوف أعزاء على بلادنا الكريمة المعطاءة.
أدهشت حدتي الرجل وقال إنه لم يقصد أية إساءة وإنما كان يشير إلى عددهم الكبير.
كان هذا عذرا أقبح من الذنب فالناس لا يحاسبون على كثرة عددهم أو قلته، وقلت له إن كلامه ليس لطيفا في حق ضيوف البلد وضيوفه، خاصة إذا كان هذا الكلام صادرا من رجل يلبس الزي الرسمي، ومهمته هي خدمة المسافرين والسهر على راحتهم.
وانشغل عقلي بهذه الحادثة وفكرت بأنه ليس مستغربا أن يكون الإعلام الخارجي مسيئا لنا، وأن تكون صورتنا لديه قاتمة ومظلمة إذا كانت تلك تصرفات بعض الناس في مجتمعنا.
وكان على هذا الموظف أن يضع في اعتباره دائما أن المطارات هي النافذة لمدننا ولبلادنا وأن الانطباع الأول لأي مسافر يستمر معه طويلا خاصة لو كان سلبيا.
وعدت إلى جدة بعد ثلاثة أيام ووجدت المنظر في صالة الوصول على حاله. وبينما ازداد عدد الواصلين، لم يكن هناك إلا كاونتر واحد للجوازات يعمل بموظف واحد بينما الآخرون بعيدون عن أماكنهم.
ويقف الواصلون طويلا في صفوف الجوازات بكل صبر وأناة وأدب وإذا رأى أحدهم، خاصة إذا كان أجنبيا أو مقيما، أحد الكاونترات ليس أمامه أي مسافر وذهب إليه فسرعان ما يتم صده وإعادته من حيث أتى لأن هذا الكاونتر مخصص للمواطنين السعوديين فقط.
ولا أشك أن المعاملة في مطاراتنا أقل بكثير من مستواها في المطارات العالمية الأخرى.
وقبل عدة أيام اشتكى أحد كبار التنفيذيين الآسيويين لأنه وقف لمدة ساعتين كاملتين أمام كاونتر الجوازات بدون أن تنتهي إجراءاته فهاتفني من المطار قائلا «ألا يمكنكم أن تدربوا موظفيكم على الانضباط واحترام المواعيد؟».
وكان إعلامي أمريكي كبير قد تساءل إن كان بالإمكان عمل شيء لتحسين خدمات المطار فأجابه أحدهم بقوله «إنه سيكون لنا مطار جديد في القريب العاجل».
لكن لم يعرف الرجل أن هذه ليست الإجابة التي يريدها الإعلامي وأن الحل لا يكمن في المباني الاسمنتية الجديدة، ولا الأجهزة التقنية الحديثة لكن الحل يكمن في الناس أنفسهم وحسن أدائهم، وكريم استقبالهم وسرعة إنجازهم مع الابتسام وكلمات الترحيب التي لا تكلف شيئا!
وأقولها بكل صدق وصراحة إن أي تعليق سلبي عن البلاد أو مواطنيها يذبحني ذبحا ويثير أعصابي، وأعتقد أن هذا الشعور الطبيعي لأي مواطن ولست استثناء في هذا، وأشعر بالأسى الشديد خاصة إذا كانت التعليقات السلبية بسبب قصور الأداء وسوء الخدمة، وانعدام المهنية والسلوك السمج.
وأقولها بكل صراحة ووضوح إننا قبل أن نبني المطارات والمشروعات العملاقة علينا بناء الإنسان، وهذا لن يتم بمجرد تغيير الزي وإنما بتغيير العقلية نفسها.
نعم إن التدريب على الأجهزة الحديثة ضروري ومهم لكن الأهم منه تدريب الموظفين على المهارات السلوكية وأخلاقيات العمل والإتيكيت في التعامل.
وأطالب، ضمن أشياء أخرى، بتدريب الموظفين الذين يتعاملون مع الجمهور، على الأخلاق الحميدة، والابتسام، وإزالة الشعور الزائف بالفوقية والتعالي والتعجرف على مخلوقات الله الأخرى.
وإذا كان منسوبو المطارات الحاليون غير قادرين على التغيير نحو الأفضل، فعندنا مئات الشباب من الجنسين المستعدين لأداء هذا العمل بكل أريحية وحب وبروح كبيرة من المسؤولية والانضباط.
ولدينا كثير من الرجال والنساء المؤهلين فهذا البلد مليء بالأخيار والطيبين المتواضعين الذين يحفظون كلام الله سبحانه وتعالى: «إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً».
وإذا قرأ هذا المقال أي من أصحاب العلاقة بالمطار أو الجوازات، أكون ممتنا له لو أجرى استفتاء عن الخدمات والسلوك في المطار، وأكون ممتنا أكثر لو نشر نتائج هذا المسح بكل صدق وشفافية.
[email protected]
كان المعتمرون من إحدى دول جنوب شرق آسيا فرحين ومسرورين وتفاعلت معهم وشاركتهم فرحتهم وشعرت بأنهم ضيوف أعزاء على بلدي المضياف وعليّ شخصيا، وأنني قريب منهم فكلنا ضيوف للرحمن في أي زمان ومكان، وسألتهم مبتسما عن كيف كانت إقامتهم في المملكة فقالوا إن أيامهم كانت طيبة وإن الله قد حقق حلم حياتهم بزيارة البلد الطاهر وأداء العمرة وزيارة المدينة المنورة.
وبينما نحن نتحدث ونبتسم ونتشارك الفرح، مر بجانبنا اثنان من موظفي الخطوط فغمزهم واحد منهما بالكلام قائلا لصاحبه انظر إلى «قوم يأجوج ومأجوج»!!
لم أتمالك نفسي من الغضب وشعرت بأن كلمة هذا الموظف بعيدة عن اللياقة إن لم تكن مشينة في حق هؤلاء الناس البسطاء وهم في مطارنا يستعدون إلى المغادرة لبلادهم وهم سعداء بأداء العمرة وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم.
التفت إليه وخاطبته بحدة وغضب ما هذا الهراء الذي تقول؟ هؤلاء ليسوا قوم يأجوج ومأجوج لكنهم ضيوف الرحمن وأيضا ضيوف أعزاء على بلادنا الكريمة المعطاءة.
أدهشت حدتي الرجل وقال إنه لم يقصد أية إساءة وإنما كان يشير إلى عددهم الكبير.
كان هذا عذرا أقبح من الذنب فالناس لا يحاسبون على كثرة عددهم أو قلته، وقلت له إن كلامه ليس لطيفا في حق ضيوف البلد وضيوفه، خاصة إذا كان هذا الكلام صادرا من رجل يلبس الزي الرسمي، ومهمته هي خدمة المسافرين والسهر على راحتهم.
وانشغل عقلي بهذه الحادثة وفكرت بأنه ليس مستغربا أن يكون الإعلام الخارجي مسيئا لنا، وأن تكون صورتنا لديه قاتمة ومظلمة إذا كانت تلك تصرفات بعض الناس في مجتمعنا.
وكان على هذا الموظف أن يضع في اعتباره دائما أن المطارات هي النافذة لمدننا ولبلادنا وأن الانطباع الأول لأي مسافر يستمر معه طويلا خاصة لو كان سلبيا.
وعدت إلى جدة بعد ثلاثة أيام ووجدت المنظر في صالة الوصول على حاله. وبينما ازداد عدد الواصلين، لم يكن هناك إلا كاونتر واحد للجوازات يعمل بموظف واحد بينما الآخرون بعيدون عن أماكنهم.
ويقف الواصلون طويلا في صفوف الجوازات بكل صبر وأناة وأدب وإذا رأى أحدهم، خاصة إذا كان أجنبيا أو مقيما، أحد الكاونترات ليس أمامه أي مسافر وذهب إليه فسرعان ما يتم صده وإعادته من حيث أتى لأن هذا الكاونتر مخصص للمواطنين السعوديين فقط.
ولا أشك أن المعاملة في مطاراتنا أقل بكثير من مستواها في المطارات العالمية الأخرى.
وقبل عدة أيام اشتكى أحد كبار التنفيذيين الآسيويين لأنه وقف لمدة ساعتين كاملتين أمام كاونتر الجوازات بدون أن تنتهي إجراءاته فهاتفني من المطار قائلا «ألا يمكنكم أن تدربوا موظفيكم على الانضباط واحترام المواعيد؟».
وكان إعلامي أمريكي كبير قد تساءل إن كان بالإمكان عمل شيء لتحسين خدمات المطار فأجابه أحدهم بقوله «إنه سيكون لنا مطار جديد في القريب العاجل».
لكن لم يعرف الرجل أن هذه ليست الإجابة التي يريدها الإعلامي وأن الحل لا يكمن في المباني الاسمنتية الجديدة، ولا الأجهزة التقنية الحديثة لكن الحل يكمن في الناس أنفسهم وحسن أدائهم، وكريم استقبالهم وسرعة إنجازهم مع الابتسام وكلمات الترحيب التي لا تكلف شيئا!
وأقولها بكل صدق وصراحة إن أي تعليق سلبي عن البلاد أو مواطنيها يذبحني ذبحا ويثير أعصابي، وأعتقد أن هذا الشعور الطبيعي لأي مواطن ولست استثناء في هذا، وأشعر بالأسى الشديد خاصة إذا كانت التعليقات السلبية بسبب قصور الأداء وسوء الخدمة، وانعدام المهنية والسلوك السمج.
وأقولها بكل صراحة ووضوح إننا قبل أن نبني المطارات والمشروعات العملاقة علينا بناء الإنسان، وهذا لن يتم بمجرد تغيير الزي وإنما بتغيير العقلية نفسها.
نعم إن التدريب على الأجهزة الحديثة ضروري ومهم لكن الأهم منه تدريب الموظفين على المهارات السلوكية وأخلاقيات العمل والإتيكيت في التعامل.
وأطالب، ضمن أشياء أخرى، بتدريب الموظفين الذين يتعاملون مع الجمهور، على الأخلاق الحميدة، والابتسام، وإزالة الشعور الزائف بالفوقية والتعالي والتعجرف على مخلوقات الله الأخرى.
وإذا كان منسوبو المطارات الحاليون غير قادرين على التغيير نحو الأفضل، فعندنا مئات الشباب من الجنسين المستعدين لأداء هذا العمل بكل أريحية وحب وبروح كبيرة من المسؤولية والانضباط.
ولدينا كثير من الرجال والنساء المؤهلين فهذا البلد مليء بالأخيار والطيبين المتواضعين الذين يحفظون كلام الله سبحانه وتعالى: «إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً».
وإذا قرأ هذا المقال أي من أصحاب العلاقة بالمطار أو الجوازات، أكون ممتنا له لو أجرى استفتاء عن الخدمات والسلوك في المطار، وأكون ممتنا أكثر لو نشر نتائج هذا المسح بكل صدق وشفافية.
[email protected]
