صالح زياد

العنصرية ضد السود

الأربعاء - 02 مارس 2016

Wed - 02 Mar 2016

اتخذ برنامج «اتجاهات» في قناة روتانا خليجية، من العنصرية ضد السود، موضوعا لحلقته هذا الأسبوع؛ مستغلا مناسبة شهر تاريخ «السود» Black History Month التي تتكرر في فبراير كل عام في الولايات المتحدة وكندا، وفي أكتوبر في بريطانيا.

وهي مناسبة بدا أن الموضوع في حاجة إلى التبرير بها لاختياره تفاديا للتهمة النمطية التي تستدعيها الرغبة محليا وعربيا في عدم مواجهة المشكلات الاجتماعية والثقافية؛ فيوصف تناولها بأنه إثارة أو إساءة للمجتمع أو أنها لا تمثل ظاهرة، وتعمَّم صورة ملائكية وفاضلة تتيح من تضخم المشكلات واتصال بعضها ببعض ما يفاقم من استعصائها على الوصف والتحليل، وظهورها بأقنعة ومظاهر ملتبسة.

ولذلك كنت أشاهد البرنامج، فأغبط جرأة القناة، ومقدمة البرنامج نادين البدير، وضيوفها في الحلقة، وأتساءل: لماذا تصعب مناقشة موضوع كهذا وعلى هذا النحو من المناقشة في القنوات التلفزيونية الرسمية؟! وهذا سؤال في صلب المناقشة لموضوع العنصرية وليس خارجها؛ فأول علامات الإرادة والاقتدار على حل مشكلة، هي الاعتراف بها وإخراجها من حيز الذاتي إلى حيز الموضوعي، ومن الأحادي الطاغي والاستبدادي كما هو كل أحادي، إلى أفق الاختلاف والتعدد. ونحن نحاذر عادة من الجرأة في مناقشة بعض المشكلات، أو نتغاضى عنها لأنها ليست من همّ الكثرة، أو نؤجلها لأن اللحظة مملوءة بما يشغل عنها، أو ننفيها لأنها ستأخذ من امتيازاتنا نحن أهل النفوذ... إلخ. ولكن هذه الوجوه أكثر إشكالا وأكبر خطرا مما نحاذره أو نتغاضى عنه أو نؤجله أو ننفيه من المشكلات.

كان حضور السيدة نوال الهوساوي، بقوتها واعتدادها بذاتها في البرنامج، مشعا بالمعنى، وكان استحضارها لحادثة التلفظ العنصري تجاهها في أحد مولات مكة: تلك الحادثة التي صعدتها بوصفها قضية عدالة أمام المحكمة، وقضية رأي عام في وسائل التواصل الاجتماعي، دلالة على تراميها إلى أن يدرك الناس أن الزمن تغير، وأن قبول الإساءة إلى حقوق فرد هي إساءة إلى الكيان الاجتماعي والوطني والإنساني بكامله. ولم يكن الدكتور محمد فهيم، أستاذ التربية، مجانبا للحقيقة وهو يلتقط طرف الحديث من السيدة نوال منحيا باللائمة على التربية والثقافة وعلى البنية القانونية والتشريعية؛ فالعنصرية تندحر بخلق مجتمعات متسامحة، وبتربية أجيال تعرف قيمة التساوي بين البشر، وبنصوص قانونية صارمة في تجريم الإساءات العنصرية، وكلما جهل الناس الحقوق والمعاني الإنسانية اقترفوا جريمة التمييز ووقعوا ضحية لها على حد سواء.

وحين جاء دور الأديب الروائي والصحفي المثقف محمود تراوري، في الحديث كان ذهني يشرد إلى تلك العوالم السردية التي نسج فيها عذابات إنسانية لذوي البشرة السوداء، في «ميمونة» و»جيران زمزم» و»أخضر يا عود القنا» وغيرها. وهي عوالم تمتلك بجاذبيتها قدرة على تأكيد المعنى الإنساني والانفتاح على الآخر الذي تفتقر كل عنصرية إلى التريض على قبوله والتفاعل معه. ولم يعاودني الوعي لمتابعة البرنامج إلا والإعلامية نيروز عبدالكريم، الضيفة الرابعة في البرنامج، تتحدث عن تحذير الدين الإسلامي من التمييز والتفضيلات العنصرية بكافة الوجوه. وهذه حقيقة لا يماري فيها مسلم، ولكن الخطاب الفقهي يخالف ذلك حين يأخذ بالأعراف ويشرعن للطبقية وللتمييز، كما في أحكام كفاءة النسب وتحقير أصحاب بعض المهن؛ فلا يستفيد الواقع من فقه الفقهاء في هذا الصدد، بل على العكس يزيده ضغثا على إبالة!

ولا يمكن عزل العنصرية ضد السود عن جملة المشكلات الاجتماعية الثقافية التي ترتد إلى ثقافة تطمس الوعي بالمكونات المتعددة للمجتمع، وتفتقر إلى تحرر الفرد وأخلاق المسؤولية، وإلى قيم العدالة والسلام.

والمجتمع الذي يميز ضد الأسود، يميز بالضرورة ضد المرأة، والفقير، والأجنبي... إلخ حتى ليتحول إلى سلسلة لا تنتهي من التمييز الضدي ضد بعضه بعضا، وضد غيره من المجتمعات. وهذا هو الوضع الذي تنتهكه ثقافة الاختلاف التي تصنع وحدة التنوع، وتعدد الوحدة. وأظن أن برنامج «اتجاهات» أحد الأمثلة البارزة في تمثل ثقافة الاختلاف والترامي إليها، ولهذا كان جديرا بـ»جائزة ثقافة الاختلاف» التي تسلمتها معدة البرنامج ومقدمته في ديسمبر الماضي، من منتدى البحرين للإعلام السياسي في المنامة.

[email protected]