مرزوق تنباك

كلنا غير

الثلاثاء - 23 فبراير 2016

Tue - 23 Feb 2016

نحن غير في كل شيء تقريبا، غير في أشياء كثيرة حسنة وجيدة ومقبولة، ونحمد الله على ذلك وأننا فيها غير، ولا نختلف حول أهمية هذا الغير الذي نحن فيه، فنحن غير لأنه لا توجد قبلة للمسلمين يتجهون إليها خمس مرات في اليوم ويؤمونها في عباداتهم إلا في بلادنا.

ونحن غير؛ لأنه لم ينزل القرآن إلا في أرضنا وعلى نبينا، ونحن غير لأن محمدا عليه الصلاة والسلام بعث فينا وفي بلادنا، ونحن غير أيضا لأن العرب نشؤوا في بلادنا وفاضوا منها على العالم، ومعهم حملوا رسالة الإسلام وأسلم معهم لله رب العالمين أكثر من مليار في مشارق الأرض ومغاربها، هذا كله خير لنا، ونحن فيه غير ولا يد لنا فيه، ولا منة ولا فضيلة على غيرنا من عباد الله، إلا أنها ميزة ميزنا الله بها فنحمده على فضله ونشكره على إنعامه.

وهناك عندنا ما نحن فيه غير بكل تأكيد، وهو خاص بنا لا يشاركنا فيه أحد في المعمورة كلها، فنحن غير لأننا البلد الوحيد في العالم الذي لا تسمح أنظمتنا وقوانيننا بقيادة المرأة للسيارة، ولنا في ذلك فتاوى وآراء وخلافات ومنازعات لا يصدقها الناس من حولنا، ولا يقنعون بأسبابها ولا نصدقها حتى نحن أنفسنا ولا نقتنع بها.

ونحن غير؛ لأننا البلد الوحيد في العالم كله الذي اخترع المحرم، وجعل له وظيفة اجتماعية وقانونية، فلا نترك المرأة إلا ومعها محرم، حتى أصبح معنى المحرم تترجمه لغات العالم إلى معاجمها، وتعرفه وتشرحه بجمل طويلة محاولة إقناع الناس بقبول فكرته قبل معناه.

نحن غير؛ لأننا البلد الوحيد في العالم الذي حرم الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل وفي المطاعم والأسواق وعاقب عليه، وحتى في البيوت كان الاختلاط ممنوعا، بينما لم يحدث في التاريخ أن منع الاختلاط بين الناس في أي مكان، لا في الدين الكريم الذي وصفنا بأننا خير أمة أخرجت للناس، ولا في العادات والقيم التي عرفتها الجزيرة العربية في الجاهلية والإسلام وعرفها العرب والمسلمون.

ونحن غير؛ لأننا البلد الوحيد في العالم الذي تغلق فيه الأسواق والخدمات العامة والخاصة خمس مرات في اليوم، بينما لم يحدث مثل هذا في تاريخ المسلمين منذ أكرمنا الله بالإسلام.

ونحن غير؛ حيث ما زال الجدل قائما هل عمل المرأة حق أو ضرورة وهل يجوز أن تعمل بغير التعليم والصحة وكيف تعمل ولماذا تعمل؟

أما ما نحن فيه غير حقا وحقيقة وقولا وفعلا، فإن الناس في كل أنحاء العالم يختلفون ويجادل بعضهم بعضا، وقد يقطع بعضهم صلته بالبعض الآخر، وقد يصل الأمر بينهم إلى القتال، ولكن لا يدعي أحد الأطراف أنه الوحيد الذي لديه برهان من الله بأنه على حق وهدى من السماء، وأن من يخالفه خارج دائرة الرحمة ومطرود من الغفران.

ونحن غير؛ عندما نتكلم في مجالسنا ومواعظنا، ونعلم العامة والخاصة، ونحذرهم بأن بعض الناس لحومهم مسمومة قاتلة، ومن نال منها فقد سم ودم وذهب إلى جهنم.

وأخيرا نحن غير؛ لأن في العالم كله أحزاب وجمعيات ونقابات ومؤسسات اجتماعية وغير اجتماعية، وهذه الأحزاب والجمعيات تختلف برامجها ومشاريعها وأغراضها، ويخطئ كل حزب أو نقابة برنامج خصمه وشخوص معارضيه، ويصفهم بأقذع الكلمات والعبارات، ويكذبه بما يقول وينكر عليه ما يعمل، ويزعم أنه على الحق في خدمة الوطن الذي يحتضنهم جميعا، وفي صالحه يعمل كل منهم، وكل فريق يأتي بكل ما يستطيع من البراهين والحجج التي تبطل دعوى خصمه، مهما كانت قوية وممكنة، ولكن مع كل ذلك لا يجرؤ حزب من الأحزاب ولا نقابة من النقابات ولا جماعة من الجماعات أن تشكك في وطنية أعضاء الأحزاب الأخرى، ولا الجماعات والنقابات التي تحاربها وتخاصمها، ولا تستطيع أن تخرجهم من الدين، ولا أن تتهمهم بالعمالة والخيانة، ولا تسلبهم حق المواطنة، وشرف الانتماء إلى وطن واحد يعيشون فيه جميعا.

أما نحن فغير؛ لأن كل شخص فرد بذاته يستطيع أن يزعم أن كل من خالفه في الرأي، أو نازعه في الأمر ولم يرض بشكله أو رأيه ولم يقبل به ويسلم له - مهما كان توجهه خاصا وشخصيا - فهو عدو للوطن، وخائن للأمانة وبعيد عن الحق، وقريب من الشر، وأهم من ذلك فإن الوطن في رأيه لا يتسع له ولخصمه الذي يخالفه في الرأي ولا بد أن يكون الوطن له وحده ولا سبيل غير ذلك.

وأخيرا فإننا غير؛ لأننا نزعم بثقة مطلقة، وشبه إجماع من كل المتكلمين في الشأن العام، أن العالم كله يحسدنا ويبغضنا، ونحن لا ندري على ماذا يحسدنا الناس ويبغضوننا، وبعضهم لم يسمع بنا، ولا يعرفنا ولا يدري أين موقعنا في الدنيا، المهم أننا متأكدون مما نقول، وأننا محسودون ولا شك عندنا في ذلك، والظاهر أنه حسد من عند أنفسنا لا يدري عنه الناس ولم يشعر به غيرنا.

[email protected]