إيران وسياسة (وتد جحا)

يحكى في الأدب الشعبي النجدي أن جحا اشتكى لأحد جيرانه ضيق بيته، وأنه لا يسع له وأولاده، حيث لا يجد في بيته مكانا مناسبا لتعليق ثيابه بعيدا عن عبث أولاده الصغار بها، وطلب من جاره على استحياء أن يسمح له بوضع وتد في مدخل بيت الجار؛ ليعلق عليها ثيابه الجديدة، فسمح له الجار بذلك، ثم ما لبث الجار أن توفي، وأصبح جحا يكثر التردد على جيرانه بحجة وضع ثياب على وتده تارة، ولتنظيف الوتد تارة أخرى، وأولاد الجار لا يستطيعون منعه؛ لأن أباهم المتوفى أوصى بحسن معاملته، ثم أصبح جحا يتدخل في سياسة البيت كله، متى يغلق الباب؟ ومتى يفتح؟ وفي أي وقت ينامون؟ كل ذلك بحجة حاجته لوتده.

يحكى في الأدب الشعبي النجدي أن جحا اشتكى لأحد جيرانه ضيق بيته، وأنه لا يسع له وأولاده، حيث لا يجد في بيته مكانا مناسبا لتعليق ثيابه بعيدا عن عبث أولاده الصغار بها، وطلب من جاره على استحياء أن يسمح له بوضع وتد في مدخل بيت الجار؛ ليعلق عليها ثيابه الجديدة، فسمح له الجار بذلك، ثم ما لبث الجار أن توفي، وأصبح جحا يكثر التردد على جيرانه بحجة وضع ثياب على وتده تارة، ولتنظيف الوتد تارة أخرى، وأولاد الجار لا يستطيعون منعه؛ لأن أباهم المتوفى أوصى بحسن معاملته، ثم أصبح جحا يتدخل في سياسة البيت كله، متى يغلق الباب؟ ومتى يفتح؟ وفي أي وقت ينامون؟ كل ذلك بحجة حاجته لوتده.

الأربعاء - 13 يناير 2016

Wed - 13 Jan 2016



يحكى في الأدب الشعبي النجدي أن جحا اشتكى لأحد جيرانه ضيق بيته، وأنه لا يسع له وأولاده، حيث لا يجد في بيته مكانا مناسبا لتعليق ثيابه بعيدا عن عبث أولاده الصغار بها، وطلب من جاره على استحياء أن يسمح له بوضع وتد في مدخل بيت الجار؛ ليعلق عليها ثيابه الجديدة، فسمح له الجار بذلك، ثم ما لبث الجار أن توفي، وأصبح جحا يكثر التردد على جيرانه بحجة وضع ثياب على وتده تارة، ولتنظيف الوتد تارة أخرى، وأولاد الجار لا يستطيعون منعه؛ لأن أباهم المتوفى أوصى بحسن معاملته، ثم أصبح جحا يتدخل في سياسة البيت كله، متى يغلق الباب؟ ومتى يفتح؟ وفي أي وقت ينامون؟ كل ذلك بحجة حاجته لوتده.

هذه السياسة التي اتبعها جحا في تسلله لبيت الجيران حتى أصبح مساهما في التحكم به هي السياسة التي اتبعتها إيران بعد ثورة الخميني عام 1979، إذ طرحت مشروع (تصدير الثورة)، وذلك من خلال آليتين، الآلية الأولى: إثارة الزخم الثوري العلني، ففي بداية حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق تبنت إيران خطة لتشكيل جبهة إسلامية في سنة 1981، تضم المنظمات الثورية الخليجية، وهي (الحركة الثورية الإسلامية في العراق)، و(حركة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية) و(حركة التحرير الإسلامي في البحرين)، ثم لاحقا (المجلس الإسلامي الأعلى للثورة الإسلامية في العراق)، وذراعه العسكري فيلق بدر الذي شارك في حرب الخليج الأولى مع إيران ضد العراق، وهذه الآلية لم تؤت ثمارها كما كانت ترجو إيران.

والآلية الثانية: استعمال سياسة (وتد جحا)، وهذه الآلية هي أكثر آليات إيران في اختراق الدول الأخرى دهاء وحنكة، وقد حققت بها نجاحا كبيرا، وتتم تلك الآلية بزرع جيوب تابعة لإيران في عمق الدول المستهدفة، وتختلف قوة الجيب من بلد إلى آخر حسب كثافة الوجود الشيعي، وقوة السلطة في ذلك البلد، ففي البلدان التي يكون للشيعة فيها حضور كبير، ولا تتمتع بسلطة قوية، تعمد إلى تأسيس تنظيم سياسي، يكون إما خاضعا لسلطتها المباشرة كما في نموذج (حزب الله) في لبنان حيث تم تأسيسه في عام 1982، وإما خاضعا لتوجيهاتها في خطوطه العريضة كنموذج (أنصار الله)، وهو تنظيم الحوثيين في اليمن، الذي أسسه حسين الحوثي بعد أن انشق عن تنظيم (الشباب المؤمن) الذي تأسس عام 1991، وفي البلدان ذات السلطة القوية تعمد إلى تأسيس جيوب سرية تابعة لها؛ كتأسيس (حزب الله ـ الحجاز) في السعودية في عام 1987.

ومن آليات تكوين تلك الجيوب القيام بحركة تشييع واسع؛ ففي دراسة أصدرها مركز نماء للبحوث والدراسات عام 2010م، وهي بعنوان (التشيع في أفريقيا - تقرير ميداني)، وهي دراسة ضخمة في 750 صفحة، رصدت حركة التشييع التي تقوم بها إيران في 32 دولة أفريقية، وذلك من خلال عمل ميداني قام به فريق عمل ضم 40 باحثا ميدانيا، خلصت الدراسة إلى أن التشيع يصل إلى مستوى الظاهرة المؤثرة في ثلاث دول، وهي نيجيريا مع حركة تشيع منتشر أو ملموس، وله وجود منظم، وأتباع، وهي أكثر بلاد أفريقيا من حيث انتشار التشيع؛ إذ يقدر عدد المتشيعين فيها ببضعة ملايين، وقد حدث توتر فيها بين الشيعة والسنة، والدولتان الأخريان هما غانا وتونس، ودول يصل فيها النشاط الشيعي إلى مستوى الظاهرة من حيث المؤسسات من مدارس ومساجد وحسينيات وبعثات دراسية مع تحول محدود إلى المذهب الشيعي، وهي سيراليون وكينيا وغينيا كوناكري وساحل العاج والسنغال وتنزانيا وجزر القمر والمغرب والجزائر، وقد تنبهت المغرب لمحاولات إيران تأسيس جيب تابع لها، فقد ذكر المغرب من ضمن أسباب قطع العلاقة بين المغرب وإيران عام 2009، أن إيران «تستهدف الإساءة للمقومات الدينية الجوهرية للمملكة المغربية، والمس بالهوية الراسخة للشعب المغربي، ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي».

وحركة التبشير بالمذهب الشيعي التي تقوم بها إيران ليست هو قضية دينية خالصة، فتخضع لحق حرية التعبير الذي يجب أن يتمتع بها كل إنسان، بل إن تبشيرها بالمذهب الشيعي يؤسس لأرضية تكوين رافعة لمشروع تدخل سياسي إيراني في تلك الدول، وتجربة سوريا تنبئ عن هذه الحقيقة، إذ كانت أضرحة (زينب بنت الحسين)، و( عمار بن ياسر)، و(أويس القرني) تدار من قبل السنة، وما لبثت أن تحولت إلى مساجد خاصة بالشيعة، ثم تكونت الحوزات العلمية حولها، ثم بعد أن نشبت الثورة كان السبب المعلن لتدخل حزب الله هو الدفاع عن تلك الأضرحة.

أي أننا أمام عمل سياسي منظم يتم بهدوء، ويتخذ من التبشير الديني غطاء له، وقد لخص برهان غليون حكاية إيران و(وتد جحا) بتعليقه على الاتفاق السياحي بين إيران وتونس مخاطبا الحامدي التونسي «سيكون لديكم خلال خمس سنوات خمسون حسينية، وخمسة وثلاثون مقاما لأحفاد أو أبناء الأئمة، ومئات المتطوعين الإيرانيين لهداية التونسيين إلى دين الحق، وبعد بضع سنوات سيأتي آلاف السواح للمزارات الشيعية التونسية والحسينيات، وفي أول أزمة سيطالب الإيرانيون بتشكيل حزب الله التونسي بميليشيات عسكرية لحماية الأقلية المظلومة، وسيتهم من يرفض ذلك بالطائفية والعداء للإمام الحسين».



[email protected]