فارسي يودع الحرم بعد مجاورة ناهزت القرن

الاثنين - 08 فبراير 2016

Mon - 08 Feb 2016

فقدت مكة أحد الرجال الذين طالما تحدثت أعمالهم عنهم وآثروا البقاء بعيدا عن الأضواء، تذكرهم الأفعال والمواقف المشرفة، إذ غيب الموت شيخ جواهرجية مكة محمد علي فارسي، والد كل من زكي وحسن وجميل وفريدة وزهية وجميلة ونجاة، ووري جثمانه أمس بعد الصلاة عليه بالمسجد الحرام في مقابر المعلاة.

قضى فارسي نحو قرن من الزمان بين أبنائه ومحبيه، إذ يعود ميلاده إلى 1340. اكتسب خلال عمره المهنة عن والده، وتعلم فنونها حتى عين في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز شيخا لجواهرجية مكة المكرمة، مسيرة حفلت بسعي عصامي وهمة لفتت أقرانه ومجايليه، فكان علما منذ كان شابا يافعا يسعى لتنمية مهاراته في سوق المدعى.

نبغ فارسي بعد تجاوز عقده الأول، وانفرد بتجارته منذ بلوغه 12 مع أخيه محمد جمال، وأكمل دراسته حتى الثانوية عاملا في محل والده في سوق »سويقة« ثم سوق »المدعى«، وهو ما جعله يتقن المهنة كجوهرجي متمرس.

وأسهمت الرحلات المتواصلة بين دول عدة من الهند شرقا وحتى بلجيكا غربا في صقل خبراته ورفدها باكتشافات متميزة من اللؤلؤ والأحجار الكريمة، وبرز بشكل لافت، فيما بدت عليه أمارات النجابة حتى أطلق عليه في السويقة »أديب سويقة« لما عرف عنه من الأدب والأخلاق والسمو في التعامل مع حب للخير وللناس.

أدى فارسي طوال عقود دوره كشيخ للجواهرجية يحل كل أشكال الخلاف بين أبناء المهنة أنفسهم تارة، وبينهم وبين العملاء تارة أخرى، موازنا بينهم بالعدل والإنصاف مؤديا لكل ذي حق حقه، ما أكسبه احتراما واسعا في الأوساط المهنية والتجارية، ولا يعلى على رأيه إذا تحدث رغم صمته الطويل.

شغف فارسي بالمهنة جعله يتشبث بدوام الحضور إلى محله رغم مناهزته 80 عاما، ويحضر إلى المحل الواقع بشركة مكة قائما بأدواره بكل مسؤولية والتزام، كما تشهد له أروقة الحرم منذ 8 عقود بالمداومة على الصلاة فيه، خاصة صلاتي المغرب والعشاء، حتى أقعده المرض في آخر أيامه.

أعباء المهنة لم تله فارسي عن عائلته، فكان بدوره أكبر إخوانه ممثلا لدور الأب الحنون والموجه الحاني مواصلا للرحم محبا للجميع، فكان بذلك عميد العائلة حاضرا في كل الأوقات مظللا الجميع بعطفه وحنانه.

تفتقد مكة بغياب فارسي ابنا من أبنائها البارين السابقين إلى المعالي، مستندا إلى رصيد من العطاء يهطل على قبره شآبيب الرحمة والأجر الذي لا ينقطع، وأبناء صالحين يتسابقون لبره يتمثلون أدبه ونبله كما لو كان حيا.

مفخرة الأجيال

»استطاع فارسي أن يكسب حب الناس، ويخلب قلوبهم بأعماله الخيرة وأدواره التي لا تنسى في إرساء دعائم إحدى أهم المهن المكية العريقة، فهو مضرب المثل والمفخرة التي تعلمنا منها الأدب والنبل، ربى أجيالا متعاقبة وكان حاضرا دائما بالرأي والمشورة والدعم، فضله لا ينسى ومآثره يقصر عنها المقام«.

زياد فارسي

أبوة حانية

»فارسي كان قدوة لنظرائه في المهنة، وله أدوار أبوية وتربوية وتوجيهية يلمسها كل من تعامل معه أو اقترب منه، ونحن تعلمنا منه الكثير رغم اشتهاره بالصمت، ولم نكن نستغني عن حكمته وتقديره للأمور«.

أسامة فيلالي

جواهر ثمينة

»فقدت مكة أحد رجالاتها وهو فريد من نوعه، مشتهر بالخير والتواضع وحب الأسرة، خيره قرب إلى الناس جميعا مع عفة في اللسان وأداء حسن وقول لين وخبرة عريقة، يجعلك تميل إلى رأيه بحججه ومنطقه، ورغم أنه اشتهر بقلة الكلام إلا أن حديثه ومشورته لا تقدر بثمن كالجواهر الثمينة النادرة«.

عامر زينل

مدرسة المعرفة

»عرف عن فارسي أخلاقه وأمانته ومراعاة الجميع، إنسان قدم الوفاء، وهو مدرسة تعلمت منها الأجيال المتعاقبة يتقدمهم بكل صفاته التي تأسرنا، قائما بأدواره التي تتطلبه في مشيخة الجواهرجية يساند ويحفز ويشجع كما بروح معلم يقدم للطلاب خلاصة أفكاره النابعة من معرفة عميقة وتجربة مديدة«.

أسامة ناصف