عبدالله المزهر

عقلك مسؤوليتك الخاصة!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 25 يونيو 2018

Mon - 25 Jun 2018

هذه المرة الأولى التي أتحدث فيها عن قيادة المرأة للسيارة بعد انتقالها من خانة المطالبات إلى خانة الأمر الواقع.

وقد كنت أقول سابقا إن هذه أغرب قضية تجادلت حولها أي مجموعة من الكائنات البشرية منذ اختراع العجلة، لأنها ليست قضية من الأساس وما كان يجب أن تكون، لكن «أمر الله شق القربة» وانشغلنا سنوات نهدر مخزوننا الاستراتيجي من الشتائم تجاه بعضنا البعض، فنحن قوم لا توسط بيننا، والاختلاف لدينا يعني ـ في أدبيات خلافاتنا ـ أن كل طرف ينظر للآخر باعتباره مجرد تابع لآخرين يحركونه من الخارج. واحتمال أنه شخص يحب ذات الأشياء التي نحب بطريقة مختلفة عنا يبدو احتمالا بعيدا وغير مستساغ في ذات الأدبيات.

كان المعارضون لقيادة المرأة يخترعون مفاسد ما أنزل الله بها من سلطان لتخويف الأتباع من هذا الخطر العظيم والشر المستطير. حتى وصلوا إلى المبايض وما جاورها. وكان المؤيدون يسخرون من كل تلك المخاوف لأنها بالفعل كانت سخيفة.

ثم حين أقر الأمر وأصبحت القيادة واقعا بدا المؤيدون ـ والملتحقون بالمؤيدين ـ يخترعون بدورهم محاسن وفوائد لقيادة المرأة ما أنزل الله بها هي الأخرى من سلطان، بعضهم تحدث عن الاقتصاد الذي سينمو وعن نبوغ الطلاب، ووصل الحديث حتى قيل إن من أسباب قلة المواهب الرياضية والخسائر المتلاحقة في المحافل الكروية أن المرأة لم تكن تقود سيارتها، وإنها بمجرد انتقالها من مقعد الراكب إلى مقعد السائق فإن الأرض ستنبت «مارادونات وميسيات» إلى درجة أن كل دوريات العالم ستكون عاجزة عن استقبال الأساطير التي سنصدرها للملاعب العالمية.

ثم إن الأمر أيها السيدات والسادة لم يكن يستحق كل تلك الاختراعات في المخاوف ولا هذه الاختراعات في المحاسن، ومن حق من حرم هذا الحق الطبيعي والبديهي أن يفرح بحصوله عليه، وأن يحتفل ويعبر عن سعادته، ولكن المبالغة ما دخلت في شيء إلا جعلت عاليه سافله، وصنعت من الفرح مسخا كأنه حزن.

والمزايدات ومعايرة الناس بتغيير آرائهم أو التشفي بهم لأن الدولة أقرت أمرا كانوا يعارضونه ليست شيئا سخيفا فحسب، بل إنها دليل على ضيق أفق. ثم إن التشفي عادة لا تليق إلا بالسفلة وأراذل الناس، ويعافها النبلاء الذين يسعون وراء الإنجاز ويسعدون به من أجل الإنجاز ذاته، وليس من أجل إغاظة الآخرين.

وعلى أي حال..

وفيما يتعلق بالمعارضين لهذا القرار الذين «يكتمون إيمانهم» بأن هذا القرار سيكون سببا في إفساد أخلاق الناس فقد قلت سابقا ـ وأنا حكيم كما تعلمون ـ بأن الدولة ليست مسؤولة عن تربية الناس، ولا عن أخلاقياتهم الخاصة، وكل إنسان مسؤول عن أهل بيته وهم رعيته الذين سيسأله الله عنهم. ولو أن كل إنسان حرص على تحمل مسؤوليته بشكل جدي لخف الصراخ ومطالبة الحكومة بأن تكون «مربية» للشعب.