الوصايا القرآنية لإدارة الظروف الحياتية

الأربعاء - 13 يونيو 2018

Wed - 13 Jun 2018

تعتبر السلوكيات البشرية والتعاملات اليومية والصراعات الحياتية أمرا شديد التعقيد، ومتفاوت التقدير أيضا، ومتأرجحا بين ما هو معتدل وراق وما هو دون ذلك، وتحكم هذه السلوكيات أنظمة وقوانين عدة، ومن أهم وأول الأنظمة الموجهة للسلوك الإنساني رقابة الله عز وجل في السر والعلن والقول والفعل، فهي التي تساعد على تقويم العلاقة بين العبد وربه، وتأتي بعدها الرقابة الذاتية، وهي المحفز الأخلاقي للتعاملات بين البشر أجمعين. وتعمل كل من الرقابتين على إتمام وكمال الشعور واللا شعور الذاتي والإنساني لتنتج شخصية راقية في التعامل منضبطة ومعتدلة ومتوازنة بين جمال الخلقة والخلق، وتؤيد ما قاله البارئ المصور في محكم تنزيله «صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون». سورة البقرة الآية 138.

والسلوك الإنساني في تعاملات الحياة يحتاج إلى بعض المعايير وبعض التقنيات، وإلى جانب ذلك يحتاج قليلا من الصبر الجميل الذي يساعد في مجمله ومن يتبناه على إعانته بحسن التصرف وتدبير الأمر وإدارة الظروف المحيطة. ومجالات الحياة متعددة تلزمنا بالتواصل مع الآخرين سواء كانوا في محيط العمل والمنظمة أو على المستوى الأسري والعائلي أو في محيط المجتمع ككل من جيران ومعارف وأصحاب مصلحة يتم على أيديهم إنجاز معاملاتنا.

و«إدارة الظروف» أرى أنه مصطلح وآلية تبرز لتمكين الشخص من استشراف المستقبل من خلال خبرته التي مرت عليه، سواء كانت حسنة أو سيئة، والتي واجهها في حياته أو التي ستواجهه مستقبلا أو التي رآها ولمسها في غيره، بمعنى آخر أن يكون على استعداد كاف وتام، وبطرق خمس رئيسة أوردها القرآن الكريم لتوجيه رسولنا العظيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم كآلية استباقية نروض بها أنفسنا ونهذب بها سلوكياتنا للاستحواذ على قلوب الغير والسيطرة عليهم إيجابيا، وتعميم ذلك السلوك المجتمعي القويم.

وسأستعرض هذه الطرق والآليات وأناقشها من وجهة نظر سلوكية، حيث قال عز من قائل في كتابه الكريم «وبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله» سورة آل عمران الآية 159، وظروف الحياة تحتاج إلى من يديرها باحترافية عالية بإبراز المبادئ الإدارية القرآنية الخمسة في التربية والتوجيه، سواء في المنظمة أو الأسرة أو المجتمع عامة، لدعم استمرارية الحياة والعيش بسلام سلوكي مع الذات ومع الغير، وسأسردها تباعا على النحو الآتي:

أولا: تعزيز سلوك اللين والرحمة «فالراحمون يرحمهم الله»، و»ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه» صدق رسولنا الكريم. فلين الجانب في إيماءات الوجه، وذلك بالابتسامة وبسط الوجه للأسرة والمجتمع، للزوجة والزوج والجيران وزملاء العمل والمرؤوسين، وأيضا في القول بالتهذب والتأدب مع الصغير والكبير، بانتقاء الكلمات الجميلة والمريحة والمناداة بأجمل الكنى والألقاب والتسميات الراقية المبهجة، وتحديدا للأم والأب والزوجة، وأيضا في العمل بالمسارعة بمد يد العون، خاصة لمن هم في حاجة لذلك، والتربيت على الكتف لما له من أثر بالغ على الغير، خاصة في حال التأييد والمدح، وللأبناء والموظفين تحديدا.

ثانيا: البعد عن سلوك الفظاظة، أي التخلص من نزعة التسلط والفوقية في الإيماءات الشكلية، مثل تصعير الخد، واستحقار الخلق وتجاهلهم، والبعد عن فرض الرأي واتباع أسلوب «لا أريكم إلا ما أرى»، وعدم الشتم والسب ورفع الصوت أو التطاول بالدفع والتعدي بالضرب.

ثالثا: تقديم سلوك العفو مع الغير، وذلك ببدء المسامحة وتعزيز مبدأ الثواب قبل العقاب، والنظر أكثر إلى روح القانون في تطبيق النظام، وإلى المصلحة المترتبة من وراء التسامح والصفح والنصح للشخص المخطئ والمسيء،

سواء كان في العمل أو في الأسرة أو الجيران واتباع الحسنة وإغفال السيئة وإبعادها، واستحضار المواقف الطيبة والشهمة والنبيلة من القول والفعل في مجال العمل للموظفين، خاصة بين الأزواج، قال تعالى «ولا تنسوا الفضل بينكم» سورة البقرة الآية 237

رابعا: تعزيز سلوك التشاور مع الآخرين، وهو المبادأة في أخذ الرأي «العمل الجماعي» Team Work واستجلاب أفكار الآخرين وتنويعها للخلاص بفكرة واحدة صائبة، وهذا السلوك يتنامى ويؤتي أكله في المنظمات ومجال الأعمال.

خامسا: دافعية العزم وسلوك التوكل الدائم على الله، ويتركز ذلك في مجال العمل الإداري والتنظيمي أيضا، وهو يعكس الأخذ بالأسباب وتجميع الآراء للمستشارين والاتفاق عليها، لما فيه الصالح والمفيد، ومن ثم أخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، والإقدام عليه بكل ثقة وثبات بعد تفويض الأمر لله.

فهذه الآليات الخمس أعتبرها آليات وطرقا تعيننا بعد تقوى الله وتعزيز الخلق القويم على توجهنا وترشدنا بكيفية إدارة ظروف حياتنا، ولنتآلف مع الغير لنسعد أنفسنا ونسعدهم بسلوكياتنا.