معك يا الأخضر

الاحد - 10 يونيو 2018

Sun - 10 Jun 2018

«كرة القدم: لعبة رياضية تستخدم فيها خطط تشبه نظيرتها العسكرية ويقابل خلالها 11 لاعبا مثلهم، وتنتهي عادة بفوز ألمانيا»، مقولة قريبة من تصريح صحفي شهير للإنجليزي جاري لينكر قال فيه «كرة القدم لعبة جميلة ممتعة يلعبها 11 لاعبا، وفي النهاية تفوز ألمانيا».

على الصعيد الشخصي، لا أعرف حدثا عالميا دوريا يوازي شعبية نهائيات كأس العالم التي تتكرر كل أربعة أعوام منذ عام 1930، مع توقف قسري دام 12 عاما بسبب الحرب العالمية الثانية، وأبرز ما يؤكد هذه الشعبية اعتراف أكثر من 200 دولة بهذه اللعبة وانضوائها تحت لواء الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ليكون بذلك أكبر تجمع أممي ودولي على الإطلاق، هذا العدد يفوق عدد الدول المنضوية تحت مظلة هيئة الأمم المتحدة!

أذكر أن علاقتي بلعبة كرة القدم بدأت منذ الصغر، وتحديدا في مباراة منتخبنا الوطني ضد المنتخب الصيني في نهائي كأس آسيا، والتي فاز بها صقورنا الخضر لتنطلق معها مسيرة مميزة فرضت نفسها على خريطة أكبر قارات العالم، حيث كان منتخبنا السعودي طرفا في المباراة النهائية في خمس بطولات متتالية لكأس آسيا، حقق الصقور الخضر خلالها البطولة ثلاث مرات، والوصافة مرتين، ووصافة أخرى في عام 2007.

هذا التسيد الآسيوي مهد لنا المشاركة في نهائيات كأس العالم للمرة الأولى في عام 1994م بالولايات المتحدة، وكنا فيها ندا قويا ضد منتخبات هولندا والمغرب وبلجيكا، لنغادر البطولة في دور الـ 16 أمام منتخب السويد الذي حصل لاحقا على المركز الثالث في البطولة. ثم توالت المشاركات في المحفل العالمي حتى عام 2006، لنعود بعد غيبة مريرة في روسيا 2018.

عرفت نهائيات كأس العالم لأول مرة في عام 1990 في إيطاليا، وكيف أنسى دموع الأسطورة مارادونا أثناء تتويج المنتخب الألماني؟! وبدأت رحلتي مع كرة القدم بمتابعة مباريات البطولات المحلية في التلفزيون السعودي، فعشت الفترة (الماجدية)؛ فمن لا يذكر أهدافه الأسطورية في الصين ونيوزيلاندا وإيران وكوريا الجنوبية والأرجنتين وإنجلترا؟! ثم تعرفت بعدها على الدوريات والبطولات الأوروبية، وأيقنت أن معرفتي السابقة بلعبة كرة القدم كانت غير مكتملة!

ما سبق كان ضرورة، وليس تمهيدا للحديث عن كأس العالم، بقدر ما هو رغبة في فصل نهائيات كأس العالم عن بطولات وذكريات لعبة كرة القدم، فمع منتصف الشهر الميلادي الحالي وعلى مدى شهر كامل، ستسيطر كرة القدم على تفاصيل الحياة البشرية.

إن أمر شعبية كأس العالم لكرة القدم محير للغاية، أشبه ما يكون بمصير مشترك لجميع البشر. نعم، إنه مصير مشترك ومدهش، تعود صناعته إلى إنجلترا وفرنسا معا، فالأولى أسست أول اتحاد لكرة القدم، ووضعت قواعد وقوانين اللعبة، ونشرت الكرة من عاصمتها لندن إلى جيرانها ومستعمراتها، وتحولت إلى ثورة رياضية، والأخرى اخترعت الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في عام 1904م، بمشاركة ست دول أوروبية، وبطولة كأس العالم في 1930.

سر كبير يقف خلف هذه المستديرة التي استطاعت تجاوز الخلافات السياسية والعقدية والعرقية واللغوية والجغرافية، ورغم أنها أذكت حماسة الدول المتجاورة، إلا أنها استقرت في عمق وجدان الجماهير، حتى أصبح الفوز فيها انتصارا للوطن، ومصدرا فخر، بل إن ممارسة كرة القدم، ومتابعة شؤونها تعدان متنفسا للجماهير العريضة، متنفسا لا ينافسه شيء.

وفق آخر الإحصاءات، يحترف اليوم قرابة ثلث سكان العالم لعبة كرة القدم وإدارة شؤونها، وبلغ عدد مشاهدي المباراة النهائية لبطولة كأس العالم الأخيرة، التي جمعت ألمانيا والأرجنتين، قرابة المليارين ونصف المليار نسمة.

لطالما آمنت بأن نهائيات كأس العالم فرصة مواتية تعيد للبشر إنسانيتهم وإحساسهم بقيمتهم مجتمعين على أمر واحد، متنافسين عليه دون دماء! مندمجين في نظام متفق عليه نظريا، ومختلف عليه عمليا.

يا لسحر هذه الكرة، تملك تأثيرا مذهلا في الإنسان، لا تضاهيه أي تأثيرات أخرى، لعبة بسيطة تسمح للجميع بممارستها، وهي أيضا لعبة معقدة لا تفتح أبوابها إلا للمحترفين، تعتمد على جهد عقلي وآخر بدني، شريطة أن يكونا متفقين، تحمل قيما كثيرة ومتداخلة ومتكاملة، تربي ممارسيها على تطوير ذواتهم، وتصقل مهاراتهم في التحكم واتخاذ القرار، لإنجاز حلول فردية تخدم العمل الجماعي، تدرب من يلعبها على الصبر، وتسمح لغروره بالظهور، إنها سحر مبين لا يبطل مفعوله سوى صافرة خاطئة !

كل الأمنيات أن تحلق صقورنا الخضر في سماء روسيا، وتقدم مباريات مميزة على صعيدي الأداء والنتيجة، لأننا نملك جيلا مميزا من اللاعبين الموهوبين بالفطرة، ومنتخبا يحظى باهتمام ودعم قيادتنا الرشيدة، يتوج ذلك حضور ولي العهد للمباراة الافتتاحية لمنتخبنا أمام روسيا البلد المضيف وصاحب الأرض والجمهور. قطعا لن تكون مباراة سهلة، ولكن الفوز ليس مستحيلا متى ما حضرت الروح السعودية التي سطرت سجلا مميزا في تاريخ كرة القدم في آسيا، وبعون الله سيكمل الصقور الخضر تميز المسيرة في روسيا. ومعاك يا الأخضر ! و«صقورنا قدها».

الصقور الذين انقضوا على آسيا فحققوا بطل آسيا

1984، 1988، 1996

والوصيف

1992، 2000، 2007

الصقور الذين حلقوا في كأس العالم

أمريكا 1994

فرنسا 1998

اليابان وكوريا 2002

ألمانيا 2006

روسيا 2018

تاريخ من الذهب والفضة والمشاركة