تقويم فعال لجودة أداء المعلمين

الجمعة - 08 يونيو 2018

Fri - 08 Jun 2018

أثار قرار ربط العلاوة السنوية بالأداء الوظيفي حيرة الموظفين، ومنهم المعلمون، ليس للقرار بذاته ولكن ربما من ضعف الثقة بمصداقية وموضوعية آلية تقويم الأداء الوظيفي الحالية. فما زالت الطريقة التقليدية في تقويم أداء المعلمين عن طريق الزيارة الصفية التي يعتقد أنها زيارة لعينة ممثلة لأداء المعلم على مدار السنة هي الطريقة الوحيدة التي يقوم بها.

ويستخدم قائد المدرسة أثناء زيارته الصفية استمارة تقويم الأداء الوظيفي التي تتسم مفرداتها بسعة المعنى، مما يجعل تفسيرها مختلفا بين قائد وآخر. ولهذا عبر عدد من المعلمين عن امتعاضهم من طريقة تقويم أدائهم الوظيفي لأنها كما يرونها طريقة لا تعكس جهودهم المبذولة في تعليم طلابهم، وأنه أسلوب يغلبه جانب المحسوبية كما وصفه موظفو القطاع الحكومي ومنهم المعلمون في ورشة العمل المنعقدة تحت إشراف الخدمة المدنية.

السلبيات المصاحبة لاستخدام الزيارة الصفية لتقييم الأداء ليست هنا فحسب، ففي المشروع البحثي بالولايات المتحدة الأمريكية (MET Project) الذي استمر ثلاث سنوات وبتمويل من قبل مؤسسة ميلندا وبيل غيتس الخيرية وشارك فيه أكثر من 3000 معلم وعشرات من الفرق البحثية لمعرفة أي أساليب التقويم أقدر على تحديد من هو المعلم الفعال، وجد الباحثون أن الطريقة التي كان يقوَّم بها معظم المعلمين لعشرات من العقود خلال الزيارات الصفية لا تعطي نتائج ثابتة وتخضع للجانب الشخصي أكثر من الموضوعي، ولهذا أوصت الدراسة بأن الزيارات الصفية طريقة لا يمكن الاعتماد عليها وأغلب نتائجها عكسية. 

ربما لم يكن موضوع تقويم الأداء وآليته ذا أهمية كبيرة لدى الكثير من المعلمين، وذلك لعدم تأثيره عليهم إلا على نحو ضيق كالمفاضلة في عملية النقل، ولكن مع استهداف رؤية المملكة 2030 أصبح رفع كفاءة رأس المال البشري - الذي أحد مؤشراته نسبة الأجهزة الحكومية الملتزمة بتطبيق أسلوب المنحنى المعياري القياسي في تقويم أداء الموظفين وربط العلاوة السنوية بتقويم الأداء الوظيفي - يتطلب أسلوبا تقويميا متصفا بالثبات والصدق والموضوعية، ولا سيما مع ربطه بالمكافآت المادية المحفزة كالعلاوة السنوية.

والسياسة المقترحة لتقييم الأداء: قياس القيمة المضافة Value-Added Measurement وهو أحد الاتجاهات الحديثة لقياس الأداء الوظيفي للمعلمين، والذي بدأ يلقى اهتماما كبيرا بين الباحثين في مجال تقويم الأداء الوظيفي. وهو يهدف إلى ربط تقييم المعلم بالمدى الذي ساهم فيه بنمو معرفة طلابه عن طريق مقارنة درجات طلابه المحصَّلة في الاختبارات المعيارية ثم مقارنتها بمتوسط درجات طلاب متجانسين مع طلابه في النواحي الخلقية والاجتماعية والاقتصادية وكذلك من ناحية التحصيل الدراسي بالعام السابق. وهذه المقارنة تهدف لتقليل تأثير العوامل التي ربما تؤثر على تحصيلهم الدراسي وهي خارجة عن سيطرة المعلم.

وقد أجري على هذا الاتجاه - أي قياس القيمة المضافة - عدد من الدراسات لقياس مدى صدق وثبات الأداة في تقويم أداء المعلمين، ومن أبرزها دراستان طويلتان وهما دوما محل استشهاد عند الحديث عن هذا النوع من القياس.

الدراسة الأولى قام بها فريق من الباحثين من جامعة هارفرد وجامعة كولمبيا، والتي كانت تهدف إلى قياس مدى قدرة استخدام أنموذج القيمة الإضافية في قياس أداء المعلم وقياس أثر المعلم الفعال على الطلاب على المدى الطويل، وأتيح للباحثين الحصول على بيانات أكثر من مليوني طالب من عام 1991 إلى عام 2009 لدراسة تطور وتغير درجاتهم من سنة لأخرى. وجد الباحثون أنه عند انتقال المعلم الفعال - بحسب الأنموذج القيمة المضافة - إلى مدرسة ذات أداء متوسط تقفز درجات طلابه مباشرة مع بقاء درجات طلاب الفصول الأخرى بالمدرسة من دون تغيير، ثم تعود درجاتهم طلابه للانخفاض من بعد انتقاله من مدرستهم. والعكس صحيح، فعند انتقال المعلم ذي الأداء المنخفض -بحسب أنموذج القيمة المضافة - إلى مدرسة ما فإنه يلاحظ انخفاض درجات طلاب تلك المدرسة مباشرة.

الدراسة الأخرى التي يستند عليها بتطبيق قياس القيمة المضافة هي ما سبقت الإشارة إليه بالجزء الأول من المقالة، وهو المشروع البحثي MET Project الذي قام بتقويم المعلمين في السنة الأولى عبر استخدام عدد من أساليب التقويم كتقويم المعلمين من قبل طلابهم ومن قبل مقوم مؤهل، وكذلك بقياس القيمة المضافة. بعد ذلك تم توزيع المعلمين في بداية السنة الثانية عشوائيا على فصول مختلفة. في نهاية السنة الثانية وجد أن المعلمين الذين قيموا في السنة الأولى عن طريق استخدام القيمة المضافة كمعلمين فاعلين حصل طلابهم على درجات أعلى من غيرهم، مما يعني أن ارتفاع التحصيل يعزى بشكل كبير لأداء المعلم، فالتميز لحق طلابه الجدد كما كان موجودا عند طلابه بالعام الفائت. وجدت الدراسة أيضا أن درجات الطلاب المحصلة في الاختبارات المعيارية في نهاية السنة تتماشى مع درجاتهم المتوقعة قبل بداية السنة التي كانت مبنية على أساس أساليب التقييم المستخدمة في السنة الأولى، ومع أن أنموذج القيمة المضافة تميز عن أساليب التقويم الأخرى المستخدمة بتلك الدراسة من ناحية صدق التنبؤ فقد أوصت الدراسة في نهاية المشروع بأنه يمكن الوصول لوسيلة تقويم ثابتة وصادقة عند دمج تلك الأساليب ببعضها.

 توصيات عند تطبيق أنموذج القيمة المضافة:

- الاختبارات المعيارية التي ستستخدم لقياس النمو المعرفي لدى الطلاب، ومن ثم في قياس القيمة المضافة، لا بد أن يكون معدل ثباتها وأدلة صدقها عالية جدا.

- لا بد أن يكون استخدام أنموذج القيمة المضافة مصحوبا بأساليب قياس أخرى مثل تقويم الطلاب لأساتذتهم والزيارات الصفية من قبل مقوم تربوي مؤهل يستخدم استمارة تقويم أداء وظيفي ذات معايير واضحة ومحددة.

- لا بد عند تصميم الأنموذج الإحصائي أن تؤخذ بالحسبان العوامل المؤثرة في تعلم الطالب والخارجة عن تحكم المعلم. الشفافية عنصر رئيس في استخدام قياس الأداء من خلال أنموذج القيمة المضافة، فالبيانات والطرق التي تستخدم في قياس الأداء لا بد أن تكون متاحة للأهالي والمعلمين والباحثين.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال