عبدالله المزهر

اصنع من الحنظل بطيخا!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 31 مايو 2018

Thu - 31 May 2018

النقد البناء هو العبارة التي يستخدمها من يريد منك أن تمدحه وتثني عليه بما فيه وبما ليس فيه، ولكنه لا يريد أن يطلب منك ذلك بشكل مباشر. والشواهد تقول إن أي كلام خارج إطار المديح والثناء لا يتم تصنيفه على أنه نقد بناء.

لا أحد يقول صراحة إنه كامل لا يخطئ ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا من أي اتجاه، لكن توجد طرق أخرى لقول ذلك بشكل غير مباشر. يمكن أن تقول لكل من ينتقد عملك بأنه لا يفهم شيئا، وأنك لن تستمع لأي نصيحة ما لم تكن من متخصص خبير عليم، وإن حدث وكان الناقد خبيرا عليما بمجال عملك، فقل إنك لا تحب هذا النوع من النقد وإنك ترحب دائما بالنقد البناء الذي يبني ولا يهدم. وإن وجدت أن كلام الناقد يبدو مقنعا فحاول التركيز على الشخص نفسه ودعك من كلامه، ابحث في ماضيه وحاضره عن نقاط ضعفه، وإن لم تجد فاصنع له شيئا من تأليفك. ثم اهجم عليه ومزقه شر ممزق. وإن وجدت أنه لا يتأثر كثيرا بهذا الأسلوب فتحدث عن المؤامرات الأجنبية، وأن النقد في هذه المرحلة الحساسة فيه خدمة لأجندات أجنبية، ويمكنك اتهامه بالخيانة بشكل مباشر. وهذه الطريقة تعمل بشكل جيد بغض النظر عن العمل الذي تقوم به سواء كنت وزيرا أو حتى حارس مرمى تريد ألا يتحدث النقاد عن فشله في التصدي لكرات المهاجمين السهلة أو ممثلا لا تريد أن يتحدث أحد عن خلطك الغريب العجيب بين الكوميديا والسماجة والتهريج الرخيص.

هذه الطرق تعفيك من حرج القول صراحة بأنك منزه عن الخطأ، لكنها تؤدي ذات المعنى.

وكراهية النقد ليست حصرا على من يتم انتقادهم، يوجد أيضا جمهور لا بأس به من محبي «نصف الكوب الممتلئ»، وهؤلاء يرعبهم كثيرا الحديث عن الأخطاء، يريدون أن يتحدث الناس عن الجمال والورد والزنابق وإلا فإنهم سوداويون «متحلطمون» يكرهون الحياة. يريدون منك أن تستبدل حديثك عن فساد مسؤول ما بالحديث عن عطفه على أطفاله، عن هواياته الجميلة. أن تركز على التشابه بين الحنظل والبطيخ في الشكل وتترك الاختلافات الأخرى لأنها غير مهمة وتشوه الواقع وتسيء لسمعة الحنظل.

وعلى أي حال..

أنا رجل حساس ـ كما تعلمون ـ وأتأثر كثيرا بما يحيط بي، وبدأت أشعر بالفعل أن النقد من خوارم المروءة، وبالأمس حين منحني المرور مخالفة بسبب وقوف سيارتي بشكل غير صحيح غضبت كثيرا من الشرطي، وقلت له أنت تبحث عن الأخطاء ولا تنظر إلى نصف الكوب الممتلئ، ونبهته في عتب وحزم وغضب إلى أنه لم يسبق له أن استوقفني يوما ما ليشكرني على حسن قيادتي، ولم يتحضر ويتكلم إلا عندما أخطأت لأنه سوداوي متحلطم لا يقع إلا على الأخطاء ويتجاهل الإيجابيات.

agrni@