مرزوق تنباك

بيئتنا والتصحر الجائر

الثلاثاء - 29 مايو 2018

Tue - 29 May 2018

أهل الجزيرة العربية في هذه الصحراء الممتدة أولى بالبحث عن الشجرة وعن ظلها وخضرتها وورقها وكل ما هو جميل فيها، والبيئة ليست الشجرة الخضراء والمثمرة ولكن كل ما يعيش من مخلوقات تستظل بظل الشجرة، ووجودها ضرورة حياتية للبيئة وتكون الشجرة وتكون الخضرة متعة للعين ومصدر غذاء لا تستغني عنه الحياة بكل أنواعها.

والبحث عن البيئة الخضراء النظيفة أصبح قضية عالمية واهتماما يفوق كل اهتمام، حتى تكونت في العالم أحزاب سياسية تسمي نفسها الخضر، مع أنه لا وجه للمقارنة بين بيئتنا الصحراوية القاحلة وتلك البيئات التي لا زالت الخضرة تغطي مساحات واسعة منها، ولا شك أننا أحوج من أوروبا الخضراء بطبيعتها للحفاظ على الشجرة وعلى البيئة وعلى كل ما يعيش فيها من نبات وحيوان.

في الصين يقولون: إن الإنسان الكامل هو من يؤلف كتابا ويبني بيتا ويغرس شجرة. وفي الأثر النهي عن عضد الشجر، وطلب المحافظة عليه، وقد منع النبي قطع الأشجار في كل حال، وشدد المنع إذا كان في محيط مكة أو المدينة لما لهاتين المدينتين من حرمة وقداسة. والشجرة الخضراء ظل وجمال ومرفق عام منتفع به وتجب المحافظة عليها وتنميتها في كل مكان.

أعرف جدة عندما لم يكن فيها شجرة إلا شجرة بيت نصيف المشهورة، ويعرفها كثيرون غيري ويعرفون جوها الذي لا يطاق وحرارتها الملتهبة، وتعرفون جدة اليوم عندما ظللت شوارعها وميادينها وغطيت بالأشجار، وزرعت فيها المساحات الخضراء فتحول جوها إلى جو معتدل، وانخفضت درجة الحرارة فيها وأصبحت مصيفا بعد أن كان أهلها لا يطيقون الحياة فيها كل أيام الصيف. وأعرف مدينة بريدة في عهد الشيخ إبراهيم البليهي عندما كان مسؤولا عن بلديات منطقة القصيم فحولها وخاصة مدينة بريدة إلى غابة غناء وواحدة خضراء، وكان مهتما بزراعة شجرة تشابه إلى حد بعيد شجر الجزيرة السمر أو السلم العربية التي تتأقلم مع البيئة الصحراوية الجافة، ولم يدم نشاط الشيخ البليهي ولا سياسته في التشجير، فما كاد يترك العمل حتى عدت عوادي الزمن على بذرته المفضلة، وكالعادة نقض الخلف ما أبرم السلف، ودمرت أجمل حديقة في جوف الصحراء بأعذار واهية ودعوى لم يثبت منها شيء.

في الآونة الأخيرة بدأ الحديث عن ضرورة زرع الشجرة في مناطق المملكة في محاولة لعودة الحياة البرية الطبيعية والحيلولة دون مزيد من التصحر الزاحف على ما بقي من بقية باقية، وكان البحث عن مصدر الماء الذي هو الآخر شحيح مهما أيضا، ولم يمنع أن يبحث عما يساعد حتى ولو فيما يمكن استهلاكه وتكريره مرة ثانية، وقد اقترح أخونا الدكتور حمد الماجد في إحدى تغريداته اقتراحا مناسبا هو الاستفادة من ماء الوضوء في تشجير ساحات المساجد، وذكر أن في المملكة «أكثر من مئة ألف مسجد لو زرعت في محيط كل مسجد 50 شجرة فقط، وذلك بإعادة تدوير مياه الوضوء سيكون الناتج خمسة ملايين شجرة تلطف المناخ وتنقي الهواء وتخفض استهلاك الطاقة وتكون مأوى للطيور، إن فكرة المساجد الصديقة للبيئة تستحق الدعم والتسويق». وهو اقتراح ممكن الاستفادة منه، فالمصلون يستهلكون مياها كثيرة في الوضوء لكل صلاة، تذهب تلك المياه هدرا، واستعمالها في زراعة المحيط في كل مسجد أمر ممكن في أقل التكاليف، إذ هذه المياه نظيفة ولا تحتاج معالجة وهي سهلة التحويل من صنابير المياه المعدة للوضوء مباشرة إلى الاستعمال المناسب لسقي الشجر في محيط المسجد وما حوله.