تركنا الدنيا مع نعالنا

الاحد - 27 مايو 2018

Sun - 27 May 2018

الصلاة أمرها عظيم فهي الصلة بين العبد وربه، لذلك من آداب الحضور إلى المساجد للصلاة أن يترك الإنسان كل دنياه خارج المسجد استعدادا للوقوف بين يدي خالقه مجردا من كل عوالق الدنيا. ولقد ذكر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله كلاما عجيبا عن أحد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال الصحابي الجليل «لقد تركنا الدنيا مع نعالنا» أي بمعنى كما أننا تركنا نعالنا خارج المسجد فقد تركنا الدنيا هناك ثم استطرد الشيخ قائلا: فقال أحد الصحابة «وزد يا أخي أقدارنا» الله أكبر قوم عرفوا الله فزادهم الله حكمة ونورا في بصائرهم.

إذ ليس من الأدب مع رب العباد أن يكون الوقت القليل الذي يقضيه المسلم في مناجاة ربه مخلوطا بأمور الدنيا ويتكلم في البيع والشراء وأمور أخرى. يعلم الله تعالى أننا نرى هذا الأمر وقد استفحل، فتجد الناس يخوضون في أمور الدنيا وهم في المساجد التي كان من المفترض أن تكون لذكر الله فقط.

ولقد توقفت كثيرا أتأمل قول الصحابي الآخر حين قال: وزد يا أخي أقدارنا، أي يترك الوزير والمدير وكل ذي سلطان مكانته في المجتمع خارجا مع النعال، ويقف بين يدي ربه مجردا من أي امتيازات أو مكانة أو قدر يميزه عن أخيه المسلم الذي يقف بجانبه في الصف. ألم أقل لكم إن هذا الدين لو فهمناه وعرفناه حق المعرفة لارتاحت قلوبنا وأنفسنا! ففي المسجد يقف الملك بجوار مولاه والوزير بجانب عامل النظافة، وقس على ذلك كل الوظائف العظيمة والحقيرة، ومن لم يستطع أن يصل بنفسه إلى هذا المقام فليس لله حاجة في صلاته، إذ ليس من الأدب مع الله أن تحدثك نفسك أنك أعلى قدرا ومنزلة من هذا الذي يقف بجانبك مهما كانت مكانته، فالأقدار والامتيازات تكون خارج بيت الله، أما هنا فالكل سواسية، وقد يكون هذا الذي رأيت أنك أعلى منه منزلة، خيرا منك عند الله، ومن ملء الأرض أمثالك من المتغطرسين المتكبرين، فاحذر أن يتلاعب الشيطان بك فيرديك ويهلكك.

ولنتدبر قولنا عند دخولنا إلى الصلاة «الله أكبر» نعم لقد اعترفنا بأن الله أكبر من كل شيء، أكبر منا وأكبر من أقدارنا وامتيازاتنا، وأننا جردنا أنفسنا من كل شيء ووقفنا عبادا لله، هذا هو الإسلام الصافي الذي جاءنا من عند خالقنا.

فهل أدرك المسلمون الحكم الكثيرة من الصلاة مع الجماعة؟ إنها دروس نتعلم ونستفيد منها معنى العبودية الخالصة لله وحده، ونتعلم التواضع وخفض الجناح والأخوة الإسلامية، وأنه ليس هناك فرق بين بني البشر إلا بما فضل الله بعضهم على بعض، وليعلم من تحدثه نفسه بأن يتعالى على خلق الله أن الله حين أعطاه نعما قد حرم منها آخر ليس بالضرورة أن يكون عزيزا على الله وغيره حقيرا، أبدا، إنما هي دنيا فيها التفاوت بين العباد في الرزق إلى أن تنقضي فيقف الكل بين يدي مالك الملك وملك الملوك في المحكمة الإلهية التي لا يظلم فيها أحد، فلنتدبر هذا الأمر ونضعه نصب أعيننا أن أردنا سعادة الدارين، نسأل الله أن يجمع قلوبنا على طاعته والسعي إلى رضاه.