«لا تخليني أفطر عليك»

الاحد - 27 مايو 2018

Sun - 27 May 2018

رمضان شهر الصيام والقيام، شهر الذكر والقرآن، شهر الخير والرحمة، شهر الغفران والتوبة، شهر تزداد فيه العبادة، وتتربى فيه الإرادة، شهر تفرح به الأسرة المسلمة بصغارها وكبارها، لما يتمتع به هذا الشهر الفضيل من خصوصية دينية فريدة، جعل الله فيه جزيل الثواب، وعظيم العطاء، ومضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، لذا كانت ولا زالت أفئدة الناس تتلهف لقدومه وتستبطئ فراقه، فأرواحهم بروحانيته تزهو، ونفوسهم بسكينته تسمو، وآمالهم ببركته تعلو.

قفي هاهنا في رحاب الهدى

ولله يا نفس فاستسلمي

أطل على الناس شهر الصيام

فبشراك بالوافد المكرم

هلمي هلمي به نحتفي

ونعلن عن فرحة المقدم

أعيذك من نزغات الهوى

وفى موسم الخصب أن تحرمي

على عتبات الرضا والسلام

أطيلي الوقوف ولا تسأمي

فإن جاد بالعفو رب السماء

فحسبك ذلك من مغنم

وحسبك أنا عفرنا الجبين

لديه وفى حصنه نحتمي

ومع زحمة المعاني والمشاعر الجميلة التي ذكرناها وتذكرناها، هناك أفعال سيئة ترتبط بهذا الشهر ولا تليق به، وعنوانها الرئيس «لا تخليني أفطر عليك» هذه العبارة الشهيرة التي يستخدمها الغاضبون كتهديد مسبق لما سيحدث من شر وشتم وضرب، ويلوحون بها كسيف صارم يقصم ظهور المعتدين والأشرار، ممن قد يتجاوزونهم بسياراتهم، أو يحتكون بأكتافهم، أو ربما يزعجونهم بعطاسهم، فهم وحدهم الصائمون، ولهم كامل الحق فيما يفعلون! وعلى الآخرين تجنبهم وعدم إزعاجهم، فلا صيام يشبه صيامهم! البيوت اعتادت على صراخهم، والشوارع حفظت حماقاتهم، والأصدقاء ملوا من مجاملتهم، والزملاء سئموا من مسامحتهم، وقد قال دعبل الخزاعي محذرا هذه الفئة من سوء أفعالهم:

متى ترد الشفاء لكل غيظ

تكن مما يغيظك في ازدياد

إذا لم تتسع أخلاق قوم

تضيق بهم فسيحات البلاد

علاوة على أنهم استبدلوا القول النبوي الوارد في السنة النبوية «إني صائم»، والذي ينبه المخاصم إلى عدم العجز ولكن السكوت إنما هو لله، ويذكره بحرمة عبادة الله فلا تقترن بسوء، بقولهم «لا تخليني أفطر عليك»، هذا القول الشيطاني الغاضب الذي يهدد ويحاسب، ويتوعد ولا يعاتب، والنتيجة هزيمة على شكل انتصار زائف، وعواقب وخيمة سببها غضب خاطف. والعرب قديما قالت: من أطاع غضبه أضاع أدبه. وللصائم نقول: من أطاع غضبه ربما أضاع صومه.