عبدالله قاسم العنزي

مستمد عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية في القوانين العربية

السبت - 26 مايو 2018

Sat - 26 May 2018

في ظل التطورات والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وازدياد الاحتياجات وتنوعها، التفتت الدول إلى فتح المجال أمام الجمعيات الأهلية للمشاركة في التنمية الوطنية على نطاق أوسع، وإتاحة الفرصة لكل مؤسسات المجتمع المدني نحو معالجة وتلبية احتياجات المجتمع.

إن النظرة إلى العمل الخيري تغيرت، لاعتباره قطاعا فعالا يعتمد عليه في تطبيق مختلف السياسات لمواجهة المشكلات الاجتماعية بكل صورها وأشكالها، على أساس أن الجمعيات والمؤسسات الأهلية أكثر ديناميكية ومرونة من الجهات الحكومية في الوصول إلى كثير من فئات المجتمع. وما نشاهده في شهر رمضان المبارك خير دليل على ما نقول.

وتعد الجمعيات الأهلية ضمير المجتمع والمعبر عن آماله والساعي إلى حل مشكلاته، ويجب أن تصان بقوانين تجعل لها شرعية أكبر من ذي قبل، فحسن النية وحب عمل الخير لا يسبغان على العمل الخيري الشرعية المنظمة، خاصة في ظل الدولة الحديثة، ومن هذا المبدأ شرعت كافة الدول العربية بتشريع العمل الخيري في دساتيرها منطلقة من مبدأ البر والإحسان وبذل الصدقة والزكاة وأوجه الخير والتطوع والعطاء للمجتمع.

ولقد حرصت الكثير من الدول العربية على تضمين حق تكوين الجمعيات وتهيئة المناخ المناسب للعمل الخيري في مجتمعاتها بمبدأ دستوري ينطلق من القواعد الكلية للقانون في الدولة، وأخذت بصياغة القواعد القانونية الدستورية التي تكفل أن يكون العمل الخيري المنظم على شكل جمعيات أهلية كحق يمارسه كل المواطنين، والقصد من ذلك مواكبة التغيرات المستقبلية بالمجتمع، فالقاعدة الدستورية في حقيقتها انعكاس للأوضاع الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، وبما أن المجتمعات في تغير وتطور مستمرين بات من اللازم أن تكون قواعد الدستور مواكبة لتغيرات المجتمع المختلفة. وأخذت الدساتير العربية بهذا الاعتبار لمواكبة ما سيتغير ويستجد في مجتمعاتها، وأنها في الأساس دول مسلمة تنعكس نصوص الشريعة الإسلامية على صياغة دساتيرها، وتؤخذ في مفهومها زكاة المال كشيء واجب على الدولة جبايته، إضافة إلى تسهيل كل السبل لأعمال البر والإحسان في المجتمع.

ولو ألقينا نظرة سريعة على بعض دساتير بعض الدول العربية لوجدناها تنص صريحا على حق تكوين الجمعيات، كما هو الحال في الدستور الجزائري الذي يوضح أن حرية التعبير وتكوين الجمعيات مكفولان للمواطن. وعبر الدستور المغربي عن حرية تأسيس الجمعيات، وماثله أيضا الدستور التونسي من حيث أن حق المواطنين في التجمع مكفول وفقا لأحكام القانون، وفي دولة مصر نص الدستور على أن للمواطنين حق تكوين الجمعيات على الوجه المبين في القانون، وعلى هذا النحو جاء أيضا في الدستور الأردني والدستور اللبناني والدستور السوري والدستور العراقي. وفي المقابل نصت دساتير دول مجلس التعاون الخليجي على كفالة حق تكوين الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية لمواطنيها، مما دفع إلى ازدهار القطاع الخيري في دول الخليج، فقد تضمن الدستور الكويتي حرية تكوين الجمعيات على أسس وطنية وبوسائل سليمة مكفولة، وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، ومثله الدستور القطري والإماراتي والبحريني والعماني.

وفي النظام الأساسي للحكم السعودي نجده يصرح أن الدولة تشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية، وقد أدى الأثر القانوني للقواعد الدستورية إلى دعم القطاع غير الربحي بانتشار المؤسسات العاملة والأنشطة في كل مجالات الخدمة والرعاية الاجتماعية، من منطلق أن الأنظمة العادية والإجراءات والتعليمات تخضع لسلطان القاعدة الدستورية التي تشرع وتنص على حق المواطنين في تأسيس وتكوين الجمعيات وبذل أوجه الخير في أوساط المجتمع.