وجاهة على حساب الفقراء والأيتام

السبت - 26 مايو 2018

Sat - 26 May 2018

تختال الأرجل في مشيتها، وتتبخر الرؤوس في علوها، وتنكسر القلوب خلف فلاشات التصوير!

سأسترجع ذاكرتي للوراء قليلا، لأمهد الطريق أمام الحقيقة والقلم، حيث إنني لست من الطبقة السامقة بالأموال، ولا الأكف الدامغة بالدلال، ولكن عشنا ولله الحمد والمنة عيشة كريمة، جللها الرحمن، وباركها الركبان، من أب حان وأم حنون.

نعم، كان مقدار فسحتنا قبل ثلاثة عقود ونيف ريالا واحدا فقط، كنا نشتري به «سندويشة بيض مسلوق بنصف ريال، وغرشة ميرندا القصيبي، أو فانتا برتقال بالنصف الآخر».

كنا نمرح ونسرح بلعبة الحجل والطنب بساحة المدرسة بالفسحة المدرسية، ونلف نواظرنا للأحبة والجيران هناك بالسؤال البريء لهم «ليش ما تشترون من المقصف معانا»؟!

فيرد أحدهم: «موب جايع»، وذاك يقول «نسيت فلوسي»، وآخر يقول «ما أبي أخرج واجد بجمعهم للعطلة»، وذاك يقول «ضاعوا عليه»!

ما هي حال الأطفال الأيتام والفقراء ساعة دخولهم في أول أيام الدراسة للمدرسة؟ الأغنياء يتسربل أحدهم بالثياب الجميلة والماركة بالعطر الفواح، والشعر المياح، والأيادي التي تحنو عليه في المشية. والفقراء والأيتام تلبسهم الخجل من ثيابهم الممزقة، وجواربهم المثقوبة، وأحذيتهم المتهالكة. ولنا في أيام المتابعة الدراسية، ومجالس الآباء شارة وإشارة لما أشير إليه!

حدثتني ابنة عمي عن طفلتها الصغيرة بالعفوية بصف أول ابتدائي «تصدقين يا ماما في بنات يلوحون صمون الزعتر في الزبالة ويجون بنات ياكلونه»، وفي موقف آخر كانت تقتسم فسحتها مع جارتها بالفصل بعد أن علمت بحالة الفقر والعوز التي طالت أهلها، لاحظت الأم ذلك بعد أن شعرت أن ابنتها في كل شيء تشتريه تريد أن تقتسمه مع صديقتها، وبعد إلحاح من والدها لمعرفة السبب ضمته لصدرها باكية، دون أن تشير إلى اسم صديقتها الفقيرة!

أجل، كم رأينا بأم أعيننا من كانوا بجوارنا بالمدرسة، والحارة، والمنطقة، وقد فطر الفقر واليتم راحة أياديهم، وأسال ماء وجوههم بالانكسار، وتنصل المعارف عنهم، كأن العار قد شملهم، ولفهم تحت جلبابه، وما إن يتغير الحال، ويزدهي المآل بالمقام الرفيع، وللشهادة التي تحصلوا عليها، والمكانة العلمية التي تسيدوها، إلا وتبدل الحال، وظل جل القوم ينسب نفسه إليهم بالقرابة والنسب والتزاوج منهم، بعد أن كانت تختبئ الوجوه عند رؤيتهم والقرب منهم وذكرهم حتى بتبادل السلام، فوا عجبي!

على كل حال في هذا الشهر الكريم، وكما جرت العادة، تعد المآدب وتنسق المراتب باسم الفقراء والأيتام بالحد اليسير، والتعداد النزير، وما عداهم بالمنظور الهائم، والطبق الجاثم لوجبة الإفطار والسحور!

وما إن تغسل الأنامل حتى ينادي المنادي: نريد أن نوثق الدعوة بالتصوير الفردي والجماعي للنشر!

ختاما: زيارة المقابر تشيد فنادقنا الأخرى، ومن همه التصوير شكله التقرير.