التخصص قبل التخصيص!

السبت - 26 مايو 2018

Sat - 26 May 2018

تحتل مؤسسات التعليم حيزا مهما في سلسلة البرامج التي تقوم عليها خطط التنمية المستدامة، فهي تعد بحق منصة الاستثمار الأمثل في بناء وتنمية القوى البشرية الوطنية. وخلال العقد الماضي شهد قطاع التعليم العالي في المملكة قفزة نوعية، حيث ازداد عدد الجامعات الحكومية إلى أكثر من 30 جامعة، منها ثلاث جامعات متخصصة، اثنتان منها تقنية وهما جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، والثالثة صحية وهي جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية.

خلال العقود الماضية برز مفهوم الجامعات المتخصصة في حقل أو أكثر من حقول المعرفة، وأصبح هذا المفهوم هو المطبق في أغلب دول العالم المتقدم، فالجامعات المتخصصة تختلف عن الجامعات الشاملة التي يغلب عليها التشابه في تخصصاتها، حيث توفر هذه الجامعات المتخصصة بيئة متكاملة في أحد مجالات المعرفة، مما يمكن طلابها من الحصول على المعرفة والتأهيل الأفضل في مجال أو تخصص معين (علمي وتقني - صحي - إنساني - إداري - تربوي).

هناك دول حول العالم لها تجربة رائدة في تحويل بعض جامعاتها العامة إلى جامعات متخصصة كاليابان وروسيا والصين وألمانيا، والأخيرة تتميز بالجامعات المتخصصة في العلوم والهندسة. وعندما نلقي نظرة على أشهر التصنيفات العالمية للجامعات نجد أن الجامعات المتخصصة هي من تتصدر القائمة كمعهد ماساتشوستس للتقنية (MIT) المتخصص في العلوم والتقنية، وجامعة هارفارد المتخصصة في الطب والهندسة والقانون والفنون، وجامعة كامبريدج المتخصصة في العلوم الأساسية والتطبيقية، وغيرها، فالجامعة ليست مكتبة بمفهومها الضيق، والفرق كبير بينهما، فالأولى هي الفضاء المهيأ لتلقي العلم وفق تخصص محدد، وهدفها تأهيل المتخصص، أما المكتبة فهي وعاء المثقف الذي يتلقى الثقافة بشكلها العام في جميع مجالات المعرفة.

قبل أشهر أطلق مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برنامج التخصيص 2020، ووضع الجامعات الحكومية من ضمن الجهات المستهدفة بالتخصيص، وكما نعلم أن وزارة التعليم تعمل منذ فترة على نظام الجامعات الجديد الذي سينظم عمل الجامعات، مما سيضمن تمتعها بالاستقلالية المالية والإدارية عن الوزارة.

لذا أرى أنه من المهم تحويل

بعض الجامعات العامة المكتملة البنية إلى جامعات متخصصة قبل البدء بعملية التخصيص، فمثلا تحول جامعة تبوك في الشمال الغربي من المملكة لتكون جامعة متخصصة في المجالات التي تخدم سوق العمل في المنطقة، خاصة مع وجود مشاريع تحت الإنشاء هناك، مثل مشروع نيوم ومشروع البحر الأحمر.

وكذلك جامعة الحدود الشمالية في ظل وجود مشروع مدينة وعد الشمال للصناعات التعدينية، وجامعة جازان التي تتواجد بالقرب من مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية، وكذلك ربط هذه الجامعات المتخصصة بوكالة وزارة العمل لشؤون توظيف السعوديين للمواءمة بين مخرجاتها واحتياج سوق العمل بحسب المنطقة التي تتواجد فيها الجامعة. ومما تجدر الإشارة إليه أن إحدى الدراسات الحديثة أكدت أن الجامعات المتفوقة في المستقبل لا بد أن تكون أكثر رقمية ومرونة وتخصصية، لذا فمن الضروري العمل على تحويل بعض الجامعات إلى جامعات تخصصية بالاعتماد على القوة التخصصية فيها قبل تخصيصها، حتى لا نعيد تدوير مشكلة مواءمة التخصصات لسوق العمل من جديد ثم نضطر لوضع حلول مشوهة ومبتورة!

@alyemni_aziz