عبدالله المزهر

الدين الشحروري!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الجمعة - 25 مايو 2018

Fri - 25 May 2018

أحد الأصدقاء يحب الإسلام أكثر من أي شيء آخر ولا يفكر في اعتناق أي شيء غير الإسلام، لكنه يجد في نفسه شيئا من بعض تعاليمه وتكاليفه، لديه تحفظات على الصيام، ويعتقد أن الحج فيه نظر، وأن الصلاة مجرد حركات رياضية. ويشدد كثيرا على مسألة أن الإيمان في القلب، وأنه ليس من الضروري أن يمارس أي طقوس ليثبت إيمانه الذي يعلمه الله.

وهذه ليست مشكلة صديقي وحده، وأظنها مشكلة بعض أصدقائكم أيضا.

وهذا النوع من التفكير ليس أكثر من خداع للنفس، من يفكر بهذه الطريقة لا يريد الإسلام ولا يريد أن يخسر ما قد يناله من مزايا كونه مسلما، وهذه فكرة منافقة. الأمر دون تعقيدات أن هذا هو الإسلام، وهذه أركانه وأسسه، وإذا لم يعجبك فكن شجاعا واتركه وابحث عن دين آخر أو اخترع دينا جديدا خاصا بك، لكن لا تنس وأنت تفكر في اسم لدينك الجديد أن حقوق الملكية الفكرية لا تسمح لك بأن تستخدم لدينك الجديد اسم دين موجود فعلا، لذلك لا تسم دينك الجديد إسلاما، وأظن أن ذلك أفضل من محاولة «تأليف» إسلام جديد منزوع الإسلام. متوافق مع بقية الأديان اللطيفة الأخرى السماوية والأرضية وما بينهما.

وأنا هنا لا أتحدث عن الخلافات الفقهية التي يمكن نقاشها والاختلاف فيها والاجتهاد أيضا. المسألة الآن أن هناك نبرة ترتفع تريد أن يدخل «الخلاف» إلى صلب العقيدة نفسها. وإلى أركان الإسلام بذاتها.

والمشكلة لم تعد مقتصرة على صديقي الذي لا يعرفه أحد ـ حتى أنا، المشكلة أن هذا العته الفكري بدأ يقدم أصحابه على أنهم مفكرون ورواد وقادة تنوير سيأخذون بأيدي الناس من الظلمات إلى النور. وأغلب المنظرين «للإسلام الجديد» إما شيوعيون سابقون يبحثون عن ضوء جديد، أو متطرفون إسلاميون سابقون، فشلوا في تطرفهم ثم فشلوا في التأقلم مع الحياة دون تطرف ففكروا في اختراع تطرف جديد في الاتجاه المعاكس.

قد أتفهم وأستوعب أن يقدم هؤلاء للناس من باب «حرية التعبير»، لكني أعلم كما يعلم المذيعون والقنوات والمشاهدون والخلق أجمعون أن «حرية التعبير» والفكر المتحرر الذي يقوده هذا الإعلام لا يقبل اختلافات الآراء ولا التحرر في مجالات أخرى غير الدين والعقيدة.

وحرية التعبير تأتي حزمة واحدة، فإما أن تقبلها كلها أو تتركها كلها، أما الانتقائية فهي ليست سيئة، ولكن يمكن أن تتسمى بأي شيء آخر لا علاقة له بالحرية ولا بالتعبير.

وعلى أي حال..

فكرة محاربة التطرف بالتطرف المضاد فكرة تشبه استبدال السم بسم آخر، فالمحصلة النهائية واحدة، ولا أجد أن هناك فارقا يذكر ـ إذا استثنينا الاختلاف في اللبس والمظهر ـ بين الداعشي التكفيري الذي يصف مخالفه بأنه كافر مرتد ويجب أن يقتل، وبين التنويري اللطيف المبتسم وهو يخترع دينا جديدا ثم يصف مخالفه بأنه لا علاقة له بالإسلام الصحيح، وأنه يجب أن يجتث ويباد أو يسجن.